: آخر تحديث

معركة النجم والرئيس

1
1
1

نال جورج كلوني مؤخراً هجوماً حادّاً من الرئيس الأميركي ترمب، حيث وصفه بأنه ممثل زائف. ولم يكن هذا هو الفصل الأول، حيث بدأت المعركة أثناء الانتخابات الأميركية، التي انحاز فيها كلوني إلى بايدن، فهاجمه ترمب، ثم كرّر الهجوم عليه عندما طلب كلوني من بايدن، بسبب ظهور أعراض الشيخوخة، أن يرشح للمنصب بديلاً آخر.

كلوني من أكثر النجوم الأميركيين تفاعلاً مع الأحداث، ولديه كثافة جماهيرية تؤيده، وتدافع عنه ضد ترمب.

لا نتمتع في عالمنا العربي بتلك المظلة، التي تضع الفنان على قدم المساواة مع الرئيس، عادةً نتابع علاقة تحمل خضوعاً من الفنانين أو المثقفين، ومبايعةً لكل ما يصدر عن الرئيس.

شاهدنا مثلاً الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وجمال عبد الناصر، كان هيكل هو المُفضّل، مما أثار غيرة زملائه، هناك من أشار إلى أن هيكل لعب دوراً في الزج بأستاذه مصطفى أمين في السجن 9 سنوات بتهمة التواصل مع المخابرات الأميركية، تلك الوشاية لم تتجاوز مجرد شائعات، ولم تصل أبداً إلى حقيقة موثقة.

وبالمناسبة حاول هيكل في بداية تولي أنور السادات الحكم الحفاظ على تلك المكانة، إلا أن السبل بينهما قد تقطّعت، كما أنّ السادات أصدر أمراً باعتقاله، في الأشهر الأخيرة قبل اغتياله.

تبدو علاقة ناصر مع الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس في بدايتها أكثر حميمية، كان يلقبه بـ«جيمي»، إلا أنه في مقال هاجم الثورة بسبب تقليص مساحة الحرية، فأصدر ناصر أمراً بإيداعه في السجن، وخرج منه بقرار أيضاً من عبد الناصر، وفي اليوم نفسه وجّه إليه الدعوة لمنزله، وأثناء تناول طعام الإفطار، أخبره بأنها مجرد (قرصة ودن). وبعد ذلك لم يعد إحسان يستخدم في حواره اسم الدلع جيمي، ولكن سيادة الرئيس.

لا يقف الفنان أو المثقف بالضرورة على الشاطئ الآخر، الثمن يبدو غالياً. في حده الأدنى يتم الإقصاء عن المشهد، في تلك الحقبة التي كانت الدولة تملك كل أوراق اللعبة إعلامياً. الدولة المصرية، كانت تضع كلاً من أُم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم في مكانة خاصّة، ولم يتركوا مناسبة إلا وشاركوا بالغناء.

على الجانب الآخر، تُروى حكايات عن فنانين كانت لهم مواقف سلبية، ورفضوا أن يصبحوا (كورساً) يرددون ما تريده الدولة، ودفعوا الثمن من نجوميتهم، وأيضاً رؤوس أموالهم. من بين تلك الأسماء الموسيقار الكبير محمد فوزي، تردد أنهم عاقبوه، لأنه رفض الغناء باسم ناصر، ولهذا تمّ تأميم شركة الأسطوانات التي كان يملكها «مصرفون»، بينما أبقوا على شركة عبد الوهاب وعبد الحليم «صوت الفن»؛ لأنهما لم يتوقفا لحظة عن الغناء باسم الزعيم.

التقطت الخيط ليس دفاعاً عن ناصر أو فوزي، ولكن لمعرفة الحقيقة، واكتشفت أن فوزي حاول الغناء لناصر من تلحين الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أغنية (ناصر كلنا بنحبك)، وسجّلها فعلاً بصوته، إلا أن عبد الوهاب كان قد سبقه وسجّلها أيضاً لحساب شركته، وأقام عبد الوهاب دعوى وتمت مصادرة الأسطوانة بصوت فوزي، كما أن فوزي لحّن أغنية أطفال (كان وإنّ) وردّدها معهم، مشيداً على لسان الأطفال الذين شاركوه الغناء بـ(عمو جمال).

لا يعني ذلك تبرئة الحقبة الناصرية من التعسف، مع المختلفين فكرياً. المؤكد كانت هناك قبضة حديدية، تختلف درجتها في العلاقة بين الرئيس والنجم.

الصراع لم ولن يتوقف عالمياً، مع الزمن لم تعد العصمة المطلقة بيد الرئيس، وأتصور أن تشهد الساحة الأميركية فصولاً أخرى أشد سخونة بين ترمب وكلوني.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد