: آخر تحديث

80 عاماً في مهمة عربية

9
6
6

جمال الكشكي

الظروف والملابسات التي لازمت تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، تكاد تكون أو أكثر جسامة، الظروف والملابسات ذاتها، التي تعيشها المنطقة العربية هذه الأيام.

ثمانية عقود مرت على إنشاء الجامعة العربية، ولا يزال جرح القضية الفلسطينية ينزف.. الجامعة شاهدة على جميع المتغيرات والتحديات التي لحقت بهذه القضية.

ليس خافياً أن فلسطين كانت الملهم الرئيس لفكرة هذا الكيان العربي، لدى خمسة طلبة يدرسون في باريس نهاية القرن التاسع عشر: عوني عبدالهادي، توفيق التميمي، محمد البعلبكي، محمد عزة دروزة، جميل مردم بك، عزموا على تكوين الجمعية العربية، ورفعوا شعار: «لا عثماني ولا أوروبي بعد اليوم»، فقد أفضت وتطورت النقاشات فيما بعد إلى مؤسسة تهتم بمراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقيات، وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها، والتنسيق بين خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون فيما بينها، وصيانة لاستقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكنة، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية.

ولا شك في أن الفكرة جاءت لتؤرخ لنشأة النظام الإقليمي العربي وتطبعه بالسمة المتفردة التي ميزته ثم لازمته السمة القومية، واتسعت عضويتها من سبع دول عربية، هي جملة الدول العربية المستقلة في أواسط الأربعينيات، لتشمل اثنتين وعشرين دولة عربية، هي مجموع الدول الأعضاء في النظام الإقليمي العربي.

وسط هذه الأجواء التي تعيشها المنطقة العربية، أتذكر المؤتمر الأول «قمة أنشاص»، ويعتبر الاجتماع الأول لملوك العرب ورؤسائهم وأمرائهم، بدعوة من الملك فاروق الأول عام 1946 في الفترة ما بين (28 – 29 مايو)، وهي أول قمة للدول العربية، وحضرته الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية (مصر، الأردن، السعودية، العراق، اليمن، لبنان، سوريا)، وقد صدر عن المؤتمر الأول مجموعة من القرارات، منها مساعدة الشعوب العربية المستعمَرة على نيل استقلالها، وأن قضية فلسطين قلب القضايا القومية، باعتبارها قطراً لا ينفصل عن باقي الأقطار العربية.

ثمانون عاماً مضت، لم تتوقف التحديات أمام أهداف الجامعة، فقد ظلت الأطماع الإسرائيلية بمثابة التحدي الأكبر لدى دول الجامعة العربية، سواء في دول الطوق العربي أم الدول العربية البعيدة، وصولاً إلى الانفراد الأمريكي بقيادة العالم، وتداعيات ذلك على تعقيد الحسابات العربية.

أما المحطة الأخطر في تاريخ الجامعة، فهي محطة ما يسمى «الربيع العربي»، حيث تعرضت الجامعة العربية لخطر وجودي، إذ إن بقاءها يتعارض مع فكرة ومشروع التقسيم والتمزيق للمنطقة.

صمدت الجامعة وواصلت، لكن الآن، وبعد مرور 80 عاماً على تأسيسها، فإنها تحتاج إلى إعادة النظر في العديد من المسارات، في مقدمتها ضرورة التفكير بعمق بشأن تشكيل «قوة عربية» مشتركة، حفاظاً على الأمن القومي العربي، وأيضاً وضع آليات عقابية لمواجهة الدول التي تدعم الإرهاب، وتنتهك خصوصيات الشعوب وسيادة الدولة، بحيث لا تصبح الجامعة عاجزة أمام من يتجاوز.

وهنا أقول لا يمكن الحديث عن تطوير مستقبلي للجامعة دون تحقيق أول خطوة، وهي التي تتعلق بتحديث ميثاق الجامعة الذي وضع عام 1945، ولم تعد بنوده مواكبة للتحديات الراهنة، وبالتالي، فإن تحديث الميثاق من شأنه السماح بالمرونة وحرية الحركة في اتخاذ قرارات للوصول إلى حلول فاصلة في القضايا التي تشغل الرأي العام العربي، وتحافظ على سيادة وحقوق الشعوب والدول، فضلاً عن أنه يجب التركيز على الجوانب الاقتصادية لتكون مفتاح النهوض بالعلاقات العربية .. العربية، وخلق مناخ استثماري غير تقليدي لحماية ودعم الدول في مواجهة التحديات الإقليمية، وتأكيد المشروعات العابرة للحدود، يستفيد منها المواطن العربي، مثل مشروعات الربط الكهربائي والربط السككي، والدعوة إلى إنشاء بنك مركزي عربي يدعم العملات والاقتصادات العربية، ويصبح بمثابة الداعم والسند الأكبر لأي دولة عربية تتعرض لأزمات اقتصادية، ويمكن إلحاق هذه الفكرة بفكرة أخرى تتعلق بصك عملة عربية موحدة، في رسالة تزيد الوزن النسبي للدول العربية، في مواجهة التكتلات السياسية والاقتصادية الدولية.

أخيراً، أقول إن هذه المناسبة والذكرى الثمانين لتأسيس جامعة الدول العربية، إنما هي فرصة أمام العرب للالتفاف وتقديم الدعم الكامل للجامعة، سيما أنه إذا صحت أحوالها باتت الحقوق العربية محفوظة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد