: آخر تحديث

بندقية وثلاث طلقات.. مات الرئيس!

9
6
5

جون كينيدي.. الرئيس الأمريكي الذي اغتيل عام 1963 في سيارته المفتوحة ووسط جمهور من محبيه، حيث وثقت استطلاعات المؤرخين وعامة الناس أنه يُعتبر الأكثر شعبية على مؤشر (غالوب) بين الرؤساء الأمريكيين بنسبة 70% وهو الأعلى حتى اليوم.
مات الرئيس الشاب في غفلة وهو يحيي الجماهير التي اصطفت على الشارع لتُعبر عن حبها له.. هي عدة ثوانٍ، ببندقية وثلاث طلقات.. مات أمام شاشات التلفزة وأعين الناس.. وبقيت الحكاية التي لم تمت، تعود جيلاً بعد جيل يُطالب الشعب بكشف الحقيقة.. من قتل الرئيس؟
حتى جاء الإعلان الأول عن كشف وثائق الاغتيال عام 1992 نتيجة لقانون سجلات اغتيال الرئيس كينيدي الذي أقره الكونغرس. هذا القانون صدر بعد أن أثار فيلم (JFK) للمخرج (أوليفر ستون) عام 1991 اهتماماً شعبياً واسعاً حول مُلابسات الاغتيال، ما أدى إلى ضغط شعبي كبير على الحكومة للكشف عن الوثائق السرية المُتعلقة بالحادث واستمرت المطالب الشعبية لأن الوثائق لم تكن كاملة وفي 26 أكتوبر(تشرين الأول) عام 2017 كان الموعد الرسمي للإفراج عن المزيد منها، لكن الرئيس دونالد ترامب أجل الموضوع لأسباب مجهولة، تواصلت عمليات الكشف تحت الضغط الشعبي في عهدي ترامب وبايدن وبقي أكثرها سرياً وخلال الحملة الانتخابية للرئيس الحالي ترامب، وعد بكشف كامل الوثائق وهو يعلم حب الشعب للرئيس كينيدي ورغبته الجامحة لمعرفة الحقيقة التي أحيطت بالكثير من السرية فاستغل هذه الرغبة لكسب المزيد من الأصوات.. ولكن الشعب أصيب مرة أخرى بالإحباط حيث بقيت آلاف الوثائق طي الكتمان في سجلات المخابرات (CIA) التي ذُكر بوضوح في أحد الوثائق المنشورة أن كينيدي لم يكن على وِفاق معها.
أما الحكاية التي انتشرت آنذاك فهي تحمل الكثير من الاحتمالات، أولاً تم القبض على مُرتكب الجريمة بظرف ساعة وعشرين دقيقة فقط، ليتبين أن اسمه (لي هارفي أوزوالد) رغم أن الكثير شككوا في إمكانية أن يكون وحده المسؤول عن هذا الاغتيال الكبير. (أوزوالد) عرف عنه أنه جندي سابق في مشاة البحرية وأنه غير مُحترف بإطلاق النار ولم يُثبت تورط أي جهة أو مجموعة تتلقى أوامر من قوى أجنبية. لكن صحيفة «واشنطن بوست» رجحت نظرية مُفادها أن مسؤولين أمريكيين بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية كانوا متورطين في الاغتيال، وذلك حسب الصحيفة نفسها. وما زاد في الشكوك أن هذا القاتل سرعان ما تم قتله هو الآخر أثناء نقله من مقر الشرطة إلى سجن المقاطعة.. حيث قتله شخص يدعى (جاك روبي) بعد يومين فقط من إلقاء القبض عليه، وحتى (جاك روبي) أيضاً توفي بعد وقت قصير من إعادة فتح القضية أما رجل الأمن (كلينت هيل) الذي شهد الحادث وكان مرافقاً للرئيس وزوجته فقد أعلن في كلمته ما أثار التساؤلات. قال: «عصر البراءة انتهي» وأضاف الرجل الذي عمل في الأمن الرئاسي الأمريكي: «الناس فقدت احترامها للسلطات، ولم تعد تعتقد أن السياسيين ووسائل الإعلام يقولون الحقيقة».
وبقي اغتيال الرئيس المحبوب أكبر ألغاز القرن العشرين، رغم أن الشائعات ما زالت تؤكد أن وراء إخفاء كامل الوثائق.. مؤامرة. هذا الغموض أثار العديد من الروايات المُختلفة.. وأكدت لجنة تحقيق تابعة لمجلس النواب خلصت عام 1979 إلى أن كينيدي اغتيل نتيجة مؤامرة، مُرجِحة أن شخصين أطلقا النار عليه وليس شخصاً واحداً.
أمام تلك الروايات المتناقضة والتمادي في كتم الوثائق. عاد المجتهدون إلى البحث في توجهات الرئيس السياسية قبل اغتياله في محاولة لفهم أسباب هذا الاغتيال. قال (بيرتون كوفمان) أستاذ علم السياسة والعلاقات الدولية والذي يُعد واحداً من كبار مؤرخي العلاقات الخارجية لأمريكا في كتابه «الشرق الأوسط العربي والولايات المتحدة» قال: «كان الرئيس الأمريكي يفهم جيداً موجة القومية العربية التي كانت تجتاح الشرق الأوسط في منتصف الخمسينات وبداية الستينات وكان واعياً بالحساسية العربية إزاء قضايا اللاجئين الفلسطينيين ومشكلة الدعم الأمريكي لإسرائيل وخلال حملته الانتخابية عام 1960 هاجم الإدارات السابقة في البيت الأبيض لأنها تعاملت مع العرب من منظور واحد هو الصراع بين الشرق والغرب كان الرئيس كينيدي يتبع سياسة أكثر توازناً تجاه القضايا العربية، رغم علاقته الجيدة مع إسرائيل، كان حريصاً على دعم الدول العربية وامتاز عهده بعلاقة احترام مُتبادل معها، هذا التوجه الجديد في السياسة الأمريكية كان يهدف إلى تحسين العلاقات مع العرب» ويشير كوفمان في كتابه إلى أنه كان معجباً بالرئيس جمال عبد الناصر. أما الدكتورة هدى جمال عبد الناصر فقد أعلنت أنها جمعت مُرسلات يصل عددها إلى 38 رسالة بين والدها والرئيس جون كينيدي وأضافت خلال لقائها عبر قناة «سي بي سي» مع الإعلامية منى الشاذلي أن الرسائل المُتبادلة بين الزعيمين مثيرة للاهتمام. ومن الجدير بالذكر أن كينيدي لم يكن متحمساً لتزويد إسرائيل بالأسلحة النووية، علماً أن نائبه الذي شغل منصب الرئيس بعد اغتياله مباشرة (ليندون جونسون) كان معروفاً بفكره الصهيوني وداعماً لإسرائيل وفي عهده كانت نكسة 1967.
ويبقى السؤال هل ستُكشف الحقيقة يوماً.. أم أنها ستبقى وعوداً في الدعايات الانتخابية؟

* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد