اعتاد زعماء الأحزاب الصغيرة الإيحاء بالتفاؤل بالتصريح بأنهم يخوضون الانتخابات لترؤس الوزارة القادمة. التصريحات ثير سخرية الصحافيين بصفتها خبراً طريفاً مثلما حدث مع جوان سوينسون زعيمة الديمقراطيين الأحرار وكان لهم 21 نائباً (الأغلبية للحكم تستلزم 326 من مقاعد البرلمان) قبيل خوضها انتخابات 2019 (وخسرت فيها مقعدها). وآخر مرة شارك فيها الحزب في حكومة ائتلاف (وكان لهم 56 نائباً) مع المحافظين في 2010.
يوم الخميس مأدبة الغداء الشهرية للصحافيين البرلمانيين، والضيف نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح الحديث التكوين، قال إنه يسعى جاداً لرئاسة الحكومة بعد انتخابات 2029، أخذ الصحافيون كلامه على محمل الجد، رغم أن إجاباته امتلأت بالسخرية و«القفشات» الكلامية. كان حاضر البديهة، وأضحك الصحافيين عندما سألوه عن قائمة من الاتهامات وسوء السلوك توجهها إليه صحافة وأحزاب اليسار، أي منها تتسبب تقليداً في فقد مناصب وزارية وخسائر انتخابية، بقوله: «ليست اتهامات، بل كلها صحيحة!».
خفة الدم وسرعة البديهة وحسن توقيت إلقاء النكتة سلاح لا غنى عنه للسياسي الناجح في بريطانيا، وكان الزعيم البريطاني الأشهر السير ونستون تشرشل ربما الأكثر في السخرية من خصومه وسرعة البديهة داخل قاعة مجلس العموم وخارجها. فأسوأ صفة يمكن للصحافة أن تلصقها بسياسي في بريطانيا هي «ثقل الظل»، وعدم القدرة على تطوير نقد الخصوم له إلى نكتة تضحك السامعين على حساب الغريم المهاجم.
فلماذا أخذ الصحافيون رسالة زعيم حزب الإصلاح على محمل الجد خلال ساعتين امتلأتا بالسخرية والنكات؟
السبب أن الإصلاح يتساوى في استطلاعات الرأي - كلها قبل لقاء الخميس في وستمنستر- مع حزب العمال الحاكم (لهم 404 نواب) ويسبق المحافظين (لهم121 نائباً)، وفي أحد الاستطلاعات (لصحيفة الإكسبريس المحافظة) سبق حزب الإصلاح (26 في المائة) الحزبين الكبيرين (العمال 23 في المائة والمحافظين 22 في المائة) - بينما حصل الديمقراطيون الأحرار (ولهم 72 نائباً) على 12 في المائة، و11 في المائة للخضر (أربعة نواب). وتقديرنا أن الإصلاح كان سيتفوق لولا خلاف دبّ في الأسبوعين الأخيرين بين نوابهم (لهم خمسة نواب فقط، وانفصل أحدهم في نزاع مع الحزب بعد انتقاده زعيمه فاراج علناً في لقاء صحافي).
أمس، السبت، أطلق نايجل فاراج حملة الإصلاح لخوض انتخابات المجالس المحلية الجزئية (في بعض وليس كل أنحاء المملكة) يوم الخميس أول مايو (أيار) حول 1641 مقعداً في 56 مجلساً محلياً وبلديات المقاطعات في بلدان بريطانيا (باستثناء آيرلندا الشمالية فمجموع المجالس البلدية كلها 317). وهناك أربعة مناصب عمدة في مقاطعات. آخر انتخابات في هذه المناطق كانت في 2021 (وكان للمحافظين شعبية واسعة) سيطر المحافظون بالأغلبية على 15 منها؛ ومجلس واحد فقط يحكمه العمال؛ وسبعة بلا أغلبية لأحد، أربعة منها يديرها المحافظون (لهم أكبر عدد من المقاعد، لكن دون النصف) للديموقراطيين الأحرار بشكل مماثل، وواحد للعمال، وواحد للمستقلين. أغلبية المقاعد في هذه المقاطعات حالياً للمحافظين (940) أكثر من ثلاثة أضعاف نصيب العمال (290). زعماء الإصلاح يخوضون انتخابات المجالس البلدية بجدية الانتخابات العامة ويرونها «بروفةً» لانتخابات 2029 النيابية التي يعِد فاراج بأن يخرج حزبه منها بأكبر عدد من المقاعد.
شعبية «الإصلاح» ونايجل فاراج تعود إلى تحديهم النمط التقليدي الذي سارت عليه الأحزاب البريطانية لقرابة مائة عام، وانتقادهم سياسات معادلة الصفر البيئي التي تتفق عليها الأحزاب الأخرى مع الحكومة (وبدأ المحافظون في الابتعاد عنها أخيراً) - لكنها قضية قومية، وانتخابات المجالس البلدية تدور حول شؤون محلية كنظافة الشوارع والمرور، وضريبة العقار ـ ولذا؛ ستكون أول اختبار حقيقي في تحول الإصلاح من حركة احتجاج إلى حزب يثق به المواطن لتمثيله. وانتخابات البلديات ستكون أول اختبار يواجه العمال بعد اكتساحهم الانتخاب العامة. يوم انتخابات البلديات يصادف أيضاً انتخابات دائرة رينكورن وهيلسبي باستقالة نائبها العمالي مايكل أميسبري، كما ستكون اختباراً فاصلاً لرئيس الوزراء السير ستارمر. فاراج قال إن حزبه سيضع مرشحاً في الدائرة، لكنها تقليدياً يفترض أن تكون من نصيب العمال؛ إذ فاز مرشحهم الصيف الماضي بفارق 14 ألفاً و696 صوتاً عن مرشح الإصلاح.
وغالباً سيفوز بها العمال بتكرار ما حدث الصيف الماضي بانقسام أصوات يمين الوسط بين الإصلاح والمحافظين الذين وصفهم فاراج في لقاء الخميس «بثقلاء الظل سجناء جمودهم الفكري».