: آخر تحديث

حكام الخليج هم ثروة الخليج

4
4
4

محمد الساعد

في الثاني من أغسطس الحالي مرت الذكرى الخامسة والثلاثون على غزو العراق للكويت، لم يكن الغزو نتيجة خلاف سياسي أو اقتصادي كما ادعى صدام حسين حينها، ولو كان كذلك لاستطاع الوسطاء حل القضية حتى بعد حصول الغزو بأسابيع، فقد رفض العراق أي حلحلة لموقفه، بل كان هدفه الاستيلاء على سلطة الكويت أولاً ومن ثم ثرواتها.

ألم يتهم صدام الرئيس حسني مبارك -بشهادة مبارك نفسه- بأنه رخو وليس صلباً، فقد اعتمد صدام على أن كل تلك الضغوطات سوف تنتهي ويتآكل الموقف الدولي من الغزو، وبالتالي يفوز بكعكة الخليج.

يقول الجنرال «نورمان شوارتزكوف» قائد قوات التحالف في حرب تحرير الكويت في كتابه الشهير: إن قوات التحالف التي تدفقت إلى المملكة العربية السعودية بداية الغزو كانت لمنع صدام من التمدد جنوباً باتجاه السعودية، ثم تولى الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- إقناع الأمريكان بتشكيل تحالف سعودي دولي لتحرير الكويت. لقد أخذ الفهد على عاتقه تلك المهمة ونجح فيها.

انتهت الحرب وخرج العراق من الكويت، وعاد الكويتيون وآل الصباح العائلة الحاكمة الكريمة إلى بلادهم، لكن شيئاً واحداً لم ينتهِ، وهو طمع بعض حكومات وشعوب دول الإقليم في ثروات الخليج العربي، وهذه ليست تهمة يتهربون منها، فهي إحدى أولى أولويات المثقف قبل السياسي.

لكن الأهم عندهم هو كيف يفككون العلاقة الوثيقة بين حكام الخليج وشعوبهم، فهم يعلمون يقيناً أنهم لو استطاعوا تفكيك تلك العلاقة فمن السهولة الاستيلاء على الثروات لاحقاً، ولذلك عملوا على مدى عقود على ضرب مصداقية ومكانة العائلات الحاكمة، وتفكيك المجتمعات الخليجية، ثم إضرام النار بين شعوبها بالكراهية والأحقاد والخلافات، بل وصل الأمر لمحاولة تنفيذ انقلابات ضدها، وأخيراً الغزو المباشر، الذي هدف إلى الإتيان بعملاء يحكمون يمكّنونهم من رقاب الخليجيين.

وما كان العداء للأسر الحاكمة الخليجية إلا بسبب عدم القدرة على التحكّم بالقرار السياسي والمالي لدول الخليج، ولو سمحت تلك الدول باستباحة قرارها السيادي والمالي لما جوبهت بكل تلك الحروب الإعلامية والاتهامات، وفي يقيني أن سبب غزو العراق كان فشل صدام في السيطرة على قرار الكويت ومن ثم ثرواتها، ولا أدل من ذلك تشكيل حكومة صورية أول أيام الغزو.

البحرين تعرّضت لمؤامرة كبرى بداية ما يسمى الخريف العربي، وكان المستهدف رمزية الأسرة الحاكمة. الإمارات العربية المتحدة تعرّضت هي الأخرى لخيانة من تنظيم الإخوان المسلمين الذي شكّل تنظيماً عصابياً للاستيلاء على السلطة. السعودية تعرّضت مبكراً لمحاولات المتطرفين زعزعة استقرارها بدءاً من تفجيرات الخبر 1996، وتفجيرات الرياض وينبع والخبر ومكة المكرمة، فضلاً عما تعرّضت له الكويت طوال تاريخها من زعزعة لاستقرارها وأخيراً غزو غاشم.

ومع كل الحملات والتشويه المتعمد، سقطت محاولات الفصل بين الأسر الحاكمة وشعوبها، بسبب نجاح الأسر الحاكمة في توظيف الثروات وتوزيعها على مواطنيها بل وحتى المقيمين، فالتعليم، والتأهيل، والتنمية الاجتماعية، والرعاية الصحية، والبنية التحتية المتطورة، وجودة الحياة، ومنح القروض الميسرة للإسكان، كلها رسّخت ولاءً يصعب كسره.

لم تخشَ الأسر الحاكمة في الخليج من شعوبها، بل ساعدتهم في التعلم، والتحضر، ليكونوا البنية الأساسية للقفز بدولهم إلى ما هي عليه اليوم من مكانة اقتصادية وتعليمية وحضارية دولية.

الكراهية لم تبقِ بين يدي صدام وأمثاله، بل تجاوزتهم إلى عقول ونفوس الكثير، ولعلنا نتذكر كيف أن الكويت في الستينات والسبعينات -انطلاقاً من موقف عروبي- احتضنت المقاومة الفلسطينية، بل وتحوّلت صحافتها إلى منبر مفتوح للسردية الفلسطينية، ومع ذلك اختصر ياسر عرفات علاقاته بإنكار المعروف، وتأييد غزو الكويت، والارتماء خلف صدام، إذ كان عرفات وبقية المتحالفين يتوقعون سقوط بقية دول الخليج واحدة تلو الأخرى في شباك لصوص النفط الجدد.

الحقد وتمني زوال الثروات الخليجية قديم قدم ظهور النفط في بوادي الخليج. وللتذكير فقد ظهر البترول بكل أنواعه ومشتقاته في كثير من الدول في الإقليم، لكن النجاح الخليجي كان في القدرة على توظيف تلك الثروات الناضبة وتحويلها لاقتصاد مستدام، ولذلك فإن ثروة الخليج الحقيقية ليست في النفط فقط، بل في الأسر الحاكمة التي استطاعت إدارة تلك الثروات وتعظيم أثرها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد