: آخر تحديث

هل تهيمن الطائرات المسيَّرة على الحروب؟

2
2
2

عبدالرحمن الحبيب

نُشرت مذكرة لوزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، جاء فيها: «الطائرات المسيّرة هي أكبر ابتكار في ساحة المعركة منذ جيل، وهي مسؤولة عن معظم خسائر هذا العام في أوكرانيا.. ينتج خصومنا ملايين الطائرات المسيّرة الرخيصة سنوياً»، جاء ذلك متزامناً مع مقطع فيديو نُشر مؤخراً ظهر فيه هيغسيث وهو يقف أمام مبنى البنتاغون، محاطًا بطائرات صغيرة بدون طيار تحلق بطريقة استعراضية أمام جمهور مستمتع، بينما تحدث عن خطط «إطلاق العنان للهيمنة الأمريكية في مجال الطائرات المسيّرة».

يُولي البنتاغون الأمريكي اهتمامًا بالغًا للطائرات المسيّرة، في ظل الدروس المستفادة من الحرب في أوكرانيا، ويتحرك سريعاً وزير الدفاع الأمريكي لتعجيل تطوير تكنولوجيا الدفاع، ويكشف مقطع الفيديو عن تحرير الإجراءات البيروقراطية والقيود المفروضة على الطائرات المسيّرة للجيش الأمريكي، وإلغاء أي سياسات تُبطئ تطويرها ونشرها، لتعزيز ما وصفه بقاعدة ناشئة لتصنيع درون أمريكية، مما رفع أسهم العديد من شركات التكنولوجيا الدفاعية، وفقًا لمذكرةٍ اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال التي أكدت في افتتاحيتها أن أي شخص مُطّلع على أحداث حرب أوكرانيا يعلم أن الطائرات المسيّرة تُهيمن على خطوط المواجهة، وأن روسيا تُنتج نسخًا مُقلّدة منها بمساعدة كبيرة من قطع الغيار الصينية.

ليس فقط ما يحرك البنتاغون الأمريكي الدروس المستفادة من تأثير الطائرات المسيرة على الحرب في أوكرانيا بل أيضاً سهولة توافر طائرات الدرون حتى أصبح الآن شراء طيارة صغيرة دون طيار ممكناً من خلال موقع أمازون بمبلغ 250 دولاراً؛ ووفقًا لبيانات من جلوبال داتا، من المتوقع أن يشهد السوق العالمي لأنظمة الطائرات العسكرية بدون طيار معدل نمو سنوي مركب بنسبة 4.8 % خلال العقد المقبل، مما يمثل مضاعفة حجم السوق تقريبًا، من 12.5 مليار دولار في عام 2024 إلى ما يقدر بنحو 20 مليار دولار بحلول عام 2034 (هيل، جون، 2024).

تلعب جميع أنواع الطائرات العسكرية بدون طيار دورًا فريدًا وحاسمًا في الدفاعات الحديثة، بدءًا من الاستطلاع والحرب وصولًا إلى الخدمات اللوجستية والتدريب، فهي صارت في غاية الأهمية في تأثيرها على الأمن القومي؛ إلا أن افتتاحية وول ستريت جورنال تشدد على أن تطوير الطائرات المسيّرة لن يكون بديلاً عن رفع عدد القوات وتنويع ترسانة الأسلحة الأمريكية، في إشارة مهمة للمستثمرين في تكنولوجيا الدفاع بأن البنتاغون جاد في شراء المعدات التكنولوجية المبتكرة للهيمنة على الحروب المستقبلية.

السؤال: هل ستكون الحروب تكنولوجية بالمقام الأول فيما الجنود باقون في قواعدهم؟ وإلى أي مدى عملت أو ستعمل التكنولوجيا على تغيير طبيعة الحرب؟ وهل ستصبح خطوط المواجهة في الحروب عبارة عن صراع بين آلات من الدرون والروبوتات والأنظمة السيبرانية والذكاء الاصطناعي؟ وهل سيعمل ذلك على قلب موازين القوى؟ يذكر الخبراء حسب تقرير موقع جلوبل ترندز، أنه خلال العقدين المقبلين، من المرجح أن يكون الصراع العسكري مدفوعًا بنفس العوامل التي دفعت تاريخيًا إلى الحروب، بدءًا من حماية الموارد والتفاوتات الاقتصادية والاختلافات الأيديولوجية إلى السعي وراء السلطة والنفوذ، ولكن الطرق التي تُشن بها الحرب ستتغير مع ظهور تقنيات وتطبيقات وأنماط جديدة ومع حصول جهات فاعلة إضافية على هذه القدرات.

كما يذكرون أن التنويع التكنولوجي للتقنيات المتقدمة سيؤدي إلى إنتاج أسلحة أكثر دقة وأفضل اتصالاً وأسرع وأطول مدى وأكثر تدميراً، ومتاحة في المقام الأول للجيوش الأكثر تقدمًا ولكن بعضها في متناول الجهات الفاعلة الأصغر من الدول وغير الدول، وإن تزايد هذه الأنظمة وانتشارها بمرور الوقت سيجعل المزيد من البشر والأصول عُرضة للخطر، ويزيد من خطر التصعيد، ويجعل القتال أكثر فتكًا، وإن لم يكن بالضرورة أكثر حسمًا.

بالمقابل يذكر آخرون أن الطريق إلى تلك الأتمتة لا يزال طويلاً، وأن التكنولوجيات المتقدمة لم تحدث ثورة في عالم الحرب بعد، حسبما كتب سام وينتر ليفي الباحث في برنامج التكنولوجيا والشؤون الدولية في مؤسسة كارنيغي للشؤون الدولية، ويذكر مثلاً أنه في قاعدة أمريكية متقدمة يقوم المدربون باستخدام السبورة البيضاء وعليها الأقراص حاملة أسماء طائرات مقاتلة وناقلات وقود جوية، وكان آخرون يشاهدون: قرأ أحدهم أرقامًا كتبها آخر على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به، بينما قام ثالث بمراجعة أرقامه بدون أجهزة الكمبيوتر المحمولة.

فماذا عن المستقبل القريب؟ حسب تقرير جلوبل ترندز فإنه بحلول عام 2040، قد تؤدي مجموعة من التكنولوجيات الثورية المحتملة والاستخدامات الجديدة إلى تغيير طبيعة كيفية شن الحرب، مع الأخذ في الاعتبار هذه التغييرات المحتملة عبر ثلاثة جوانب متميزة من الحرب: الأجهزة (أنظمة الأسلحة والتكنولوجيات الجديدة نفسها)، والبرمجيات (النمط والتدريب والطرق التي تُستخدم بها هذه التكنولوجيات الجديدة)، والمستخدمون (الدول أو الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تستخدم هذه الأسلحة والمعتقدات)، وبالنسبة لمستقبل الحرب، فإن طريقة تطبيقات التكنولوجيات الجديدة مهمة بقدر أهمية التكنولوجيات نفسها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد