صيغة الشمري
في ظل التحديات المتسارعة التي تواجه بيئات العمل اليوم، باتت الحاجة ملحة لإعادة النظر في البنية التنظيمية للاتصال داخل المؤسسات، وتحديدًا «التواصل الداخلي»، الذي يمثل العصب الحيوي لخلق بيئة عمل متوازنة ومتماسكة.
وعلى الرغم من أهمية المجال وأثره المباشر على تعزيز الانتماء والولاء الوظيفي، إلا أن بعض الجهات تقع في خطأ تنظيمي كبير للغاية حين تجعل التواصل الداخلي تابعاً لإدارة الموارد البشرية، بدلاً من موقعه الطبيعي تحت مظلة العلاقات العامة.
وفي هذه الجزئية علينا أن نكون أكثر وضوحاً، فالتواصل الداخلي ليس أداة إدارية، بل قناة استراتيجية، ودوره لايقتصر على تمرير الرسائل والمناسبات، بل يتعداه إلى بناء الهوية المؤسسية داخلياً، وصياغة الشعور الجمعي للموظفين تجاه بيئتهم المهنية. وهذا الدور بالطبع لا يمكن على الإطلاق أن يمارس بفاعلية من قبل إدارة وظيفتها الأساسية تطبيق السياسات واللوائح، واتخاذ قرارات قد تكون حازمة أو عقابية بطبيعتها، وهنا أعني إدارة الموارد البشرية، التي كثيراً ما يكون «التواصل الداخلي» تحت مظلتها في بعض المؤسسات غير المدركة لماهية عمله.
وعندما يتبع التواصل الداخلي لقسم العلاقات العامة التابع تنظيميا لإدارة الاتصال المؤسسي، فإنه يحتفظ بطبيعته الحيادية والإنسانية، ويصبح أداة لبناء الجسور داخل بيئة العمل، فالموظفون حينها ينظرون إلى الفعاليات الداخلية، والرسائل التحفيزية، وبرامج التقدير، باعتبارها جزءاً من منظومة تعنى بتعزيز ثقافة المؤسسة، وتحرص على رفاههم النفسي والاجتماعي.
ولكن حين تنتقل هذه المهام إلى إدارة الموارد البشرية، يتبدد هذا الشعور، فمن من غير المنطقي والمقبول أن يتلقى الموظف إنذاراً ، ثم يتلقى منها لاحقاً دعوة لحضور فعالية ترفيهية، فهذا التضارب -دون أدنى شك- يخلق ارتباكاً في الرسائل، ويضعف من فاعلية التواصل الداخلي، بل ويجعل الموظف يشكك في مصداقية أي مبادرة قادمة.
ومن المعلوم أن إدارة الموارد البشرية لها دور حاسم في الحوكمة الوظيفية، وصياغة الأنظمة، وضمان العدالة التنظيمية، وهذه أدوار تتقاطع مع الجانب العاطفي والتفاعلي للتواصل، بينما الاتصال المؤسسي، هو الجهة الوحيدة القادرة على توجيه الخطاب الداخلي بما يتناسب مع لغة المؤسسة وقيمها، بعيداً عن سلطوية القرار الإداري.
ومن هنا، يمكن القول إن الحفاظ على مكانة التواصل الداخلي ضمن إدارة الاتصال المؤسسي، ليس ترفاً تنظيمياً، بل ضرورة استراتيجية لضمان تأثيره الحقيقي واستمرارية فاعليته، فالمؤسسات التي تدرك هذا الفرق، وتحترم هذا التمايز، هي الأقدر على بناء بيئة عمل متماسكة تعزز الإنتاجية والانتماء في آنٍ واحد.