شكلت بعض اللحظات في السياسة حالةً تشبه إطلاق شرارة في غرفة مغلقة بالغاز، ما حدث مؤخرًا في المسجد الأقصى هو بالضبط هذا النوع من اللحظات، ليس لأنه جديد في جوهره، بل لأنه وقع في توقيت شديد الحساسية، في منطقة تنام على حافة السكين.
أن يقوم وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، باقتحام الأقصى -مجددًا- تحت حماية قوات الاحتلال، ليس فعلاً دينيًا، بل تمرين سياسي في العبث، إنه جزء من سياسة تعتمد التصعيد الرمزي لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، حتى وإن كان الثمن هو اشتعال ساحة لا تحتاج إلا لعود ثقاب واحد.
إنها ليست المرة الأولى، من زيارة شارون في عام 2000 التي أشعلت الانتفاضة الثانية، إلى مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، وصولًا إلى هذا الاقتحام، يتكرر السيناريو ذاته: فاعل سياسي يبحث عن شرعية أو قوة داخلية، يلجأ إلى الرمز الديني كاختصار للحسم، ويُطلق بذلك موجة من التوتر تتجاوز حدود إسرائيل والضفة الغربية.
لكن العالم تغيّر، وهنا تأتي النقطة الأهم، فكل فعل في الحرم القدسي بات يرصد دوليًا، لا من منطلق ديني فحسب، بل باعتباره مقياسًا لنوايا السلام في المنطقة، ومن يعبث بهذا الرمز يبعث برسالة واحدة: إن السلام ليس أولوية، وإن التصعيد هو جزء من الاستراتيجية.
في الشرق الأوسط، كل حجر يحمل ذاكرة، وكل باب في القدس مفتوح على صراع روايات، ومن الخطأ الظن أن هذه الاستفزازات الدينية ستبقى محصورة داخل الجغرافيا الضيقة، إن كل فعلٍ يتم في الأقصى يترجم فورًا إلى معادلة أوسع: بين من يريد شرقًا أوسط مستقرًا وقابلًا للنمو، ومن يصرّ على إبقائه ساحة تجريب دائم للتطرف والاحتلال. وحين تَضع الرياض ثقلها السياسي على الطاولة، فهي تخاطب العالم بمنطق الشريك لا المراقب، وتذكره بأن الاستقرار لا يبنى على الكراهية الممنهجة، بل على احترام الرموز التي تشكل أساسات السلام.
المملكة تقرأ هذا المشهد من موقع مختلف، ليس كفاعل في الصراع بل كضامن لمعادلات الاستقرار، بيانها الأخير لم يكن رد فعل دبلوماسيًا تقليديًا، بل تأكيدًا على أن العبث بالمقدسات لم يعد شأناً محليًا إسرائيليًا، بل مساسًا بالأمن الإقليمي والعالمي. حين تتحدث الرياض، فإنها تفعل ذلك من موقع المسؤولية، لتذّكر بأن الصمت على هذه الانتهاكات هو تواطؤ مع الفوضى، وأن حماية الأقصى ليست مطلبًا دينيًا فحسب، بل التزام سياسي لضمان ألا ينفجر الشرق الأوسط من جديد عند عتبات التاريخ.