: آخر تحديث

يا جزّاري العالم اتحدوا

2
2
2

هذا مهرجان سنوي ينعقد تحت اسم «الرهان العالمي للجزارين»، وهو يقام للمرة الأولى في باريس. وقبل أن أحكي لكم عنه سأنقل رسالة وصلتني هذا الصباح من صديق عزيز يعمل طبيباً جراحاً. لقد بعث لي بصورة طبق فيه شرائح من الجزر والفليفلة والشمندر والخيار والأفوكادو والتفاح الأخضر ووريقات من الخس. وبجانب الطبق قدح من عصير الطماطم.

كتب لي أن هذا هو غداؤه وقد نزل وزنه كيلوغراماً واحداً في 4 أيام. سألته ماذا يأكل في الفطور والعشاء؟ أجاب: الفطور بيضتان مسلوقتان ولبن رائب وعصير برتقال أو قدح ماء. والعشاء ربع صحن من الرز مع مرقة خضراوات.

حسناً أعرف كل هذا وتعرفونه. سمعناه من عشرات خبراء التغذية وقرأناه في مئات المجلات ومواقع التخسيس. لكنني أعرف قبل ذلك نفسي. لن أستسلم للتجويع ولو على جثتي. ولولا وجع في الركبتين عند المشي وتخشب في الظهر بعد ساعات الجلوس للكتابة لما أعرت بالاً لكل أولئك «المُخسسين» وخبراء الحميات الغذائية، أو دجاليها، واستعذت من «الشيطان الريجيم».

لكن كل تلك الأطنان من الخراف والعجول التي تزينت بها موائد الشهر الكريم، وملحقاتها من طيور وأسماك وقواقع ودواجن وكرشات وأكباد وطواحل وكوارع، تدعوك للتفكير بأن تصبح نباتياً ولو لأسبوع أو أسبوعين. نخرج من عيد الفطر وندخل على عيد الفصح. وطبعاً فإن موائد الأعياد فخاخ منصوبة. تشاهد جياع غزة فتقف اللقمة في البلعوم.

وعودة إلى الجزارين ورهانهم السنوي الذي تستضيفه باريس هذه المرة. إن الفرنسيين مثل العرب، يضعون الطعام في منزلة عليا. لديهم 17 ألف محل جزارة. ويعمل في مهنة اللحوم 100 ألف جزار، أي قصّاب بلهجتنا. وهم في ازدياد واضح، وبالأخص دكاكين اللحم الحلال. لكن 20 في المائة من الأسطوات يخرجون إلى التقاعد كل عام. ولا تجد المهنة من يقبل عليها لتعويض المغادرين. شباب اليوم يفضلون الأعمال النظيفة البعيدة عن الزفر، حتى لو كان رزق صاحب السكين والساطور، أي مكسبه، أكثر من أستاذ الجامعة.

يأتي الجزارون إلى رهانهم السنوي من 18 دولة. يحدّون سكاكينهم ويعرضون مهاراتهم ويتبادلون الخبرات. مناسبة مفتوحة للمحترفين وللهواة. وكذلك للفضوليين والمتطفلين الذين لا شغل لهم في السوق سوى «مرّيت أشوفك». واللحظة الحاسمة في هذا الملتقى هي مسابقة الفوز بكأس الجزار الأفضل. جاء في الإعلان: «تعال وتفرج وتعلّم وتذوّق ولن تندم. شاركنا الاحتفال بمهارات اليوم ومواهب من يتعلمون المهنة غداً».

أتابع المهرجان من الشاشة ولا أجد في نفسي رغبة في الذهاب. يكفي ما رأيناه في واقعنا من ذبّاحين. لكم جزاروكم ولي جزاريّ. هل يعرفون أبا علي الذي كنت أشتري منه زنود الغنم في الكرادة؟ هل سمع لحامو فرنسا بعبد الرحمن أشهر قصابي الموصل؟ وما أدراهم بسيد نعمة في الناصرية؟ أنجب ولداً صار من أفضل المطربين في العراق.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد