محمد بن عيسى الكنعان
المملكة العربية السعودية خلال مسيرتها التاريخية صنعت تجربة حضارية ثرية بالممارسة ومتميزة بالقيم والمبادئ، بفضل الله، ثم قيادتها الحكيمة، وسياستها الثابتة والمتزنة، على المستوى الإقليمي والصعيد الدولي، ما جعلها الوجهة الأولى لكثير من قادة دول العالم عندما تتجدد أو تتغير أنظمة بلدانهم، سواءً في الجوار الإقليمي أو النطاق الدولي؛ لأن السعودية دولة لا تبيع قيمها، ولا تُساوم في مبادئها، ولا تُهادن في مواقفها، ولا تبتز لأجل مصالحها، ولا تخذل حلفاءها، ولا تتخلى عن نصرة جيرانها، ولا تتدخل في شؤون غيرها، دولة تنشد السلام وتعمل لأجل تحقيقه، وبالذات في منطقتها العربية ومحيطها الإقليمي، لأن السلام هو أساس استقرار الدول ونموها وازدهارها.
لذلك لم يكن غريبًا أو مصادفة أن تكون الوجهة الأولى للرئيس السوري أحمد الشرع هي المملكة، في أول زيارة خارجية، فالقيادة السورية للفترة الانتقالية تُدرك كما غيرها المكانة العالمية التي تتبوأها المملكة وريادتها الإقليمية، فالسعودية تتمتع بشبكة واسعة من العلاقات الدولية الراسخة، والقائمة على وعي المجتمع الدولي بقيمة المملكة وأهميتها، ودورها الإقليمي وتأثيرها العالمي، كونها قلب العالم الإسلامي، ومركز القرار العربي، والعمق الاستراتيجي للخليج، وهي الدولة الأولى والأقوى تأثيرًا بالمنطقة سياسيًا بحكم إدارتها لملفات القضايا العربية، وقدرتها على جمع الدول في قمم عربية وإسلامية ودولية، واقتصاديًا كونها عضو مجموعة دول العشرين، وقائدة أوبك، والرقم الصعب في سوق الطاقة.
إلى جانب ذلك؛ تُدرك القيادة السورية الجديدة أن عودة سوريا إلى البيت العربي - بعد اختطافها من قبل نظام الأسد لصالح إيران - لن يكون إلا من خلال البوابة السعودية، التي تفتح مصراعيها لكل من يثق بالمملكة، ويطلب دعمها، ويعتز صدقًا بإخوتها، ويقدر عاليًا صداقتها، فهي لم تخذل يومًا ما من استنصرها أو طلب عونها، خصوصًا أن المملكة كان لها دور محوري في القضية السورية منذ اندلاع ثورة الشعب السوري نحو الحرية والكرامة ضد نظام الظلم والطغيان والإجرام مطلع العام 2011م.
أضف إلى ذلك أن القيادة السورية الجديدة التي تتولى إصلاح الوضع السوري تتطلع إلى نموذج تنموي واضح المعالم واقعي الأهداف يُمكن تطبيقه بحيث ينتشل سوريا من حالة التردي التنموي والتراجع الحضاري، الذي عاشته خلال حقبة نظام الأسد الطائفي على مدار أكثر من 50 عامًا ، والمملكة بحكم رؤيتها الطموحة 2030 التي انعكست آثارها الفعالة، ونتائجها الإيجابية على مجمل ميادين التنمية ومجالاتها تعتبر نموذجًا حيًا وقابل للتطبيق والمحاكاة والقياس، خصوصًا في المجال الرقمي الذي يُشكل عصب الحياة لحكومات العالم اليوم في إدارة مؤسساتها المدنية والأمنية والعسكرية بما يخدم مواطنيها ويرتقي بالوطن لمصاف الدول المتقدمة. والشعب السوري من الشعوب الحيوية التي تعشق العلم وتحترف العمل، لهذا نتوقع -بإذن الله- أن ينهض هذا الشعب العربي الأصيل في بلده الذي كان يومًا ما حاضرة العالم الإسلامي.