: آخر تحديث

لبنان الجمهورية الثالثة

3
3
3

محمد الرميحي

يمكن تحقيب تاريخ لبنان الحديث بثلاث جمهوريات، الأولى جمهورية الاستقلال، والثانية جمهورية الاستحواذ، ما بعد الحرب الأهلية، أما الثالثة فهي جمهورية جوزيف عون التي أشرقت الخميس الماضي.

لقد عانى اللبنانيون كثيراً في الجمهورية الثانية، تحطمت أسس الدولة، واستقوى البعض على البعض الآخر، ودفع المواطن ثمناً إنسانياً واقتصادياً باهظاً، كان الإذعان للقوة هو صلب الجمهورية الثانية أو ما عرف لاحقاً بـ(تحالف الأقليات)! الذي جمع بين التيار الوطني الحر! وحزب الله، في تحالف شبه انتهازي بين الاثنين في سبيل أن الأول يأخذ السلطة بما تقدم من امتيازات، والثاني يتفرغ كبندقية للإيجار، ينفذ أجندة خارجية كيف تأمره، ليس في لبنان، بل في المنطقة بأسرها، مع إغداق المال لتفريقه على المناصرين، فلم تعد لبنان دولة، بل أصبحت منصة، حتى اضطر ميشال عون الرئيس الأخير، أن يصارح الشعب أن لبنان (ذاهب إلى جهنم)! وما هي إلا بضعة أشهر، حتى دخل لبنان بالفعل إلى حافة جهنم، حيث اشتعلت البيجرات (أجهزة النداء الآلي) في أجسام الآلاف من مناصري الحزب، ثم تدفق أكثر من مليون من الجنوب والضاحية (المربع الأمني) إلى الشوارع والساحات كلاجئين في وطنهم، مع تبخر كل ذلك الصراخ الخارج عن العقل.

كل ذلك أنتج الجمهورية الثالثة، ليس بفضل حكمة منزلة ومفاجئة على الكثير من سياسيي لبنان، ولكن بسبب الموقف الدولي الضاغط، والذي قرأه أولئك السياسيون بشكل واضح، إما الدولة وإما الخراب!!

خطاب الرئيس جوزيف عون فيه الكثير من الأمل للبنانيين الذين كادوا يفقدون الأمل، وللجوار العربي والأصدقاء الدوليين، يمكن وصفه، بأقرب تعبير إلى الدقة، بأنه (خطاب تصالحي مع ثوابت واضحة)، التصالحي عندما قال (إن انكسر أحدنا انكسرنا جميعاً)، وإنه سيكون حكماً بين المؤسسات، أما في الثوابت فكان على رأسها (لا سلاح خارج مؤسسات الدولة) وهو أمر مركزي، فإن السلاح خارج الدولة أنشأ «الدويلة»، والتي أصبحت أكبر من الدولة، وأنتج الإرهاب المحلي، وصفى المؤسسات، وغيّب الاقتصاد، وسرق أموال الناس ومستقبلهم.

كما أنه من المنطق أن الحكومة التي كانت تحت تأثير الحزب، وبها عدد وازن من المحسوبين عليه (حكومة ميقاتي) قد أقرت بقبول تطبيق القرار الأممي، والذي عمل عليه فؤاد السنيورة كرئيس للوزراء بعد حرب 2006 وهو القرار 1701 الذي يقول (في تفسير الحزب) أن لا سلاح شمال نهر الليطاني، وفي التفسير الأممي لا سلاح ثقيلاً خارج الدولة، وإن أخذنا حتى بتفسير الحزب، فإن ذلك يعني فك الاشتباك مع إسرائيل، وبالتالي ما حاجة الحزب إلى ذلك السلاح، وإن ترك وأعيد تفعيل الأجندة الأجنبية وتم اشتباك ما مع إسرائيل، فإن كل الإعمار إن حدث، سوف يهدم على رؤوس أصحابه.

ومن هنا فإنه لا إعمار بوجود سلاح يهدد هذا الإعمار، فلا مناص من تسليم السلاح إلى الجيش اللبناني، وهنا إشارة جوزيف عون إلى أنه سوف يعمل على (بناء استراتيجية دفاعية) أساسها (احترام الهدنة).

ربما ذلك الملف (السلاح خارج الدولة) هو أهم الملفات، ولكن ليس كلها، فقد نوه عن قضية لها أهمية قصوى في بناء الجمهورية الثالثة، وهي استقلال القضاء، فالعدل أساس الملك كما تقول الحكمة القديمة، حسب كلماته (إن أردنا أن نبني وطناً فعلينا جميعاً أن نكون تحت سقف القانون).

واختتم بأهم ما قال في الخطاب من وجهة نظر، ولم يلتفت له كثيرون، لقد شدد على أهمية العلم باعتباره حجر الزاوية في بناء المستقبل.

شعب لبنان حيوي وإن جاءه قائد فطن يحسب حساب التاريخ نهض، لأن كل مقومات النهوض متوفرة، وإن جاءه رئيس له صهر أهوج تدهور وأفلس.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد