في أواخر شهر آب 2023 أنجزتُ قراءة كتاب أنطوني لووينستاين "مختبر فلسطين" عن الاستخدام الإسرائيلي المتعدد الأوجه لتفوق إسرائيل في مجال صناعات التكنولوجيا العالية وصادراتها وكتبتُ المراجعة التالية عنه، وبصورة خاصة الفصلان السادس والسابع منه اللذان يتحدثان عن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى العالم في الصناعة الديجيتالية وبرامجها (130دولة).
بعد الاختراق غير المسبوق الذي حصل أمس الأول والجرائم الإسرائيلية الناتجة عنه، أعيد نشر المراجعة المشار إليها والتي كانت تحت عنوان " لا هاتف ذكيا بعد الآن".
يمكن القول أنه لا هاتف "ذكيا" بعد التقدم الذي أحرزته وتحرزه شركات إنتاج برامج مراقبة الهواتف المحمولة في إسرائيل وتصدرها رأس لائحة الدول المصدّرة لبرامج المراقبة في العالم. خرجتُ بهذا الانطباع بعد قراءتي كتاب أنطوني لووينستاين الصادر هذا العام 2023 وخصوصا الفصل السادس منه.
ففي كتاب عالي المستوى البحثي ميدانيا ومع أصحاب الاختصاص يطرح الصحافي الأسترالي المستقل والكاتب ذو المساهمات في صحف عالمية أنطوني لووينستاين معلومات غير مسبوقة في بعضها ومبنية على تحقيق استقصائي بل تحقيقات استقصائية من داخلقطاع التكنولوجيا العالية داخل إسرائيل وخارجها في دول عديدة عن التقدم الهائل الذي تحققه الشركات الإسرائيلية الخاصة وخصوصا NSO وفرعها PEGASUS في ترويج صادراتها من برامج التجسس السيبيري والتي يتخطى زبائنها مجرد المراقبة لأنشطة المعارضين سياسياً وأمنياً إلى مجالات التجسس التجاري والثقافي وحتى الاجتماعي والشخصي ولمافيات في أميركا اللاتينية أهمها المافياالمكسيكية.
الكتاب مهجوس بالنتيجة بالسلوك العنصري الإسرائيلي حيال الفلسطينيين بدءا من عنوانه "مختبر فلسطين" وهو لا يفصل بين الموقع المتقدم للشركات الإسرائيلية الخاصة في عالم التنصت والمراقبة وبين "الفرصة" التي يتيحها احتلال فلسطين واستعمار الفلسطينيين لتطوير أدوات المراقبة الفردية والعامة ولكنه في بعض فصوله ( السادس والسابع) يتحول إلى مرجع لاغنى عنه لِ"صناعة المراقبة" وحروب الديجيتال على المستوى الدولي، إنتاجاً واستهلاكا.
حسب الكتاب باعت الشركات الإسرائيلية برامج لِـ 130 دولة حتى الآن بينها الصين وروسيا والهند وحتى لبعض الشركات الأميركية.
تحضرني ملاحظة بعد قراءة الكتاب وهي أن الولايات المتحدة الأميركية رغم معرفتها بتفوق إسرائيل على الصين في تكنولوجيا المراقبة تركّز فقط على الصين في بروباغندا اتهامها ب"تصدير التوتاليتارية" وتتجاهل عمليا أدوار الشركات الإسرائيلية في هذا السياق مكتفيةً بالإعلان عن انزعاجها فقط من مجرد بيع إسرائيل الصين تكنولوجيا تجسس، كأن البيع للكثيرين غير الصين في العالم مقبول منها. وهذه عينة عن كيف تتصرف سياسة الدولة العظمى وتحالفاتها في التركيز على مستوى وتجاهل مستوى آخر.
يقدّر الكاتب استنادا إلى رأي خبير ديموغرافي إسرائيلي هو أرنون سوفر أن عدد اليهود بين البحر والنهر أي في إسرائيل والضفة لا يتجاوز الـ47 بالماية من عدد إجمالي السكان. وهو يخلص بسبب العجز السكاني رغم خطط إسكان مئات آلاف اليهود ومعهم "المسيحيون الإنجيليون" في الضفة الغربية أن على إسرائيل في المستقبل الاختيار بين الصهيونية والليبرالية لعدم التحول إلى دولة مستعمِرة بالكامل. ولا أشاركه هذا الرأي لأنه من المستحيل كما أظهرت كل تحولات الكيان العبري منذ عام 1948 التخلي عن العقيدة التوسعية الصهيونية حتى على فرض أن حقائق العالم المعاصر وضغط الغرب والتزامات توسيع علاقات إسرائيل مع المحيط العربي ستفرض قدْرا من العقلنة أوالتنازلات في خياراتها الداخلية.
*******
أشعر بعد قراءة الفصل السادس من هذا الكتاب أنني دخلتُ في علاقة جديدة مع هاتفي المحمول كما مع استخدامي على "الأيباد" لوسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا ما أنا أحصر اهتمامي فيه وهما "الفايس بوك" و"التويتر" سابقا الذي صار إسمه X.
لقد تشكّلت عندي قناعة مطلقة أنه ليس من هاتف غير قابل للاختراق ليس فقط من إسرائيل بل من كل أنواع قوى التنصت في العالم. أنسو اكل الوسائل البدائية التي كنا نعتقد أنها تحمي الهاتف المحمول كإطفائه أو سحب بطاقته! الحل الوحيد هو التحفظ والتكتم. حتى"المسودات" من الآن فصاعدا قبل إرسالها في الإيمايل أو أي وسيلة أخرى لم تعد بمأمن إذا كان أي جهاز كومبيوتر فردي يمكن نقلمحتواه في أي لحظة.
ويمكننا أن نتخيّل إذا كان سوق دولة واحدة يتسع لتصدير برامج المراقبة إلى 130 دولة في العالم، كم أصبحت هذه البرامج سهلة الحصول عليها. وما أخلص إليه هنا صار من بديهيات أي جهاز مخابرات منذ سنوات.
ولتذهبْ "قوى التنصت" إلى الجحيم.