مريم البلوشي
العلماء في شتى بقاع الأرض وصفوا وعرفوا وفصلوا موضوع التغير المناخي، والتأثيرات والتغيرات التي طرأت على كوكب الأرض منذ أعوام، ولست هنا لأعيد ما قيل ونوقش، بل لأسرد بعض الحكايات والذكريات التي عشناها وتقول: نعم هناك تغير، تغير كبير.
مازلت أذكر قي طفولتي، أننا عشنا الفصول الأربعة، أذكر تغير لون الشجر وسقوط الأوراق.. أذكر موسم المطر وغرق بيوتنا القديمة، وتشققات الأسقف في فرجاننا الأولى.. أذكر جريان مياه المطر في الشوارع واستمرارها لساعات.. وتذكرون معي متى يبدأ فصل الصيف ومتى ينتهي، وفصل الشتاء الطويل الجميل.. أذكر طعم الفواكه اللذيذة، ورائحة الزهر ونشاط النحل، وصوت الطيور الجميلة.
ولا أذكر، طول فصل الصيف، وشدة الحرارة والرطوبة.. لا أذكر شحّ المطر وقلّة العشب واخضرار الأرض.. لا أذكر كثرة صلوات الاستسقاء.. ولا حتى كثرة الكوارث، والفيضانات واختلاف الحال.. لا أذكر موجات الحرّ الشديدة، كلما سافرت إلى دولة كانت صيفاً باردة.. ولا أذكر كثرة الحيوانات الدخيلة على مجتمعي.
يكفيك أن تجلس بين نفسك وتستذكر كيف كانت الحياة وماذا أصبحت، لا تحتاج إلى علماء ولا مناظرات ولا حتى دورات، لتدرك أن هناك تغيراً، وأن ما يقال عنه وهمٌ، هو في كثير من جوانبه حقيقة، وأن السؤال الأصحّ الذي يطرح: إلى أين سيأخذ التغير؟ وكيف ستصبح حياتنا مستقبلاً؟
التكنولوجيا الحديثة جسدت الكثير، وبيّنت للإنسان كيف سيكون مستقبل الأرض وحياة البشر، لكنها لم تخبرني أو تخبرك، أن الاتّجار بكوكب الأرض هو مظلة الكثير من مدّعي حماية الكوكب والبيئة، وصوت الشباب فيه تغييب كبير، وحياد عن حقيقة الشيء والوهم، كثرت التظاهرات، والاجتماعات، والتطبيق والتهليل، والاستنكار والنفي، ولكن قلت القيمة والشفافية والسعي الجاد.
كلنا نحب الأرض، لأن الله خلقنا بشراً فيها، خلفاء معمّرين، وجعلنا ندرك قيمة حياتنا، وجودنا وسخّر ما عليها لأجلنا، لكن ما نراه ونشاهده أحياناً مبالغة وتهويل، وبعد عن العلم والمستقبل.. القشور كثيرة وابتكار حالات التسويف والبعد عن جوهر الحقيقة أصبح لعبة بعضهم في تزييف الواقع والانتقال للعيش في الوهم.
كلنا نتمنّى لو تعود الأعوام الماضية، ونستمتع بالفصول والانتقال السلس من الحرّ إلى البرد، وأن تنتهي الفيضانات، والكوارث، ويستقر الطقس وتثبت التنبؤات المناخية كل يوم.. كلنا نتمنّى أن نعيش من دون خوف وجوع، أو حتى مشاهدة ذلك. وكلنا نحتاج إلى أن نستمتع بما في هذا الكون وجماله وسحره، وما خلق عليه من مخلوقات بديعة ومعجزات تذهلنا يوماً بعد يوم. وكلنا نحب الحياة والأرض.