البعض في إسرائيل من الذين تتملكّهم مخاوف عاتية من أن تصرفات رئيس الوزراء نتنياهو تجرّ الدولة نحو كارثة مؤكدة، أثارت مخاوفهم عودة ما كان يعرف بالتنظيم السري الإسرائيلي إلى نشاط علني.
وهو التنظيم الذي كان قد خفت صوته بسبب رد الفعل لقيامه باغتيال اسحق رابين رئيس الوزراء في 4 نوفمبر(تشرين الثاني) 1995، والذي وقف نتنياهو في صفوف أعضائه.
في هذه الظروف كانت قد انتشرت في إسرائيل مظاهرات تهتف بعبارات تحريضية، من شأنها خلق أجواء من العنف، ووصلت هذه التظاهرات إلى ذروة تحريضها على العنف، عندما تجمع قادتها وكان من بينهم نتنياهو في اجتماع عام ضد رابين، وفي هذا المؤتمر رفع الحاضرون صورة رسموها لرابين مرتدياً ثياب النازي، وكأنهم يعتبروه عدواً يتساوى مع هتلر، لا لشيء إلا لتوقيعه اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، وفي قلب هذا الجو المشحون بالعدوانية، كان يقف بينهم المتطرف إيغاد عمير، الذي قتل رابين.
وفي الأيام الحالية علا صوت الجنرال الإسرائيلي كارمي جيلون الرئيس السابق لجهاز «الشين بيت» المختص بالأمن الداخلي، معلناً أن ثلث الإسرائيليين ليسوا متفائلين بشأن الأمن داخل بلدهم، وأن مستقبل إسرائيل ذاته صار معرضاً لخطر جسيم، من تهديد «التنظيم السرى» الذي يضم من يوصفون بأعضاء الجماعات الإرهابية الذين دبروا مقتل رابين. والآن فإن هذا التنظيم الذي اعتاد على ممارسة العنف قد انتعش من جديد وعاد إلى الظهور في عهد نتنياهو المؤيد لكل أهدافهم من التوسع في الاستيطان، وضم الضفة الغربية وغزة.
الجنرال جيلون قال لصحيفة «هاآرتس» إن إسرائيل معرضة لخطر جسيم من عودة هؤلاء القتلة للانتعاش، خاصة أن لهم نفوذاً على الأحزاب اليمينية المتطرفة.
ويقول إن نتنياهو ومعه الوزراء المتطرفون في حكومته قد سمحوا ولو بصمت ضمني، بالموافقة على استعادة هذه المجموعات السرية نشاطها، وكأنهم يرون أن هذه المجموعات تخدم أجندتهم السياسية.
في نفس الوقت أصدر جيلان كتاباً عنوانه «المخَّلص الشرير» قال فيه إن هذه المجموعات بتشكيلها الجديد تهدد بمهاجمة المواقع الإسلامية والمسيحية في الأراضي الفلسطينية، ولن يكتفوا بذلك فهم يهددون أي جماعات يهودية من التي اقتنعت بأن إعطاء الفلسطينيين حقوقهم في أرضهم هو في صالح إسرائيل وأمنها في النهاية.
ورغم إن كتاب جيلون صدر كرواية أدبية، إلا أنه يروي كيف أن هجمات هؤلاء الإرهابيين ممكن حدوثها رداً على أي اتجاه لانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية، وإن أعضاء هذا التنظيم السري من المتعصبين يكررون ادّعاءهم بأنهم أصحاب أرض فلسطين كلها، ويرفضون أي انسحاب منها، ثم يقول:«في اللحظة التي يشعلون فيها نزعتهم التعصبية بتصرفات هجومية، فإنهم سيكونون السبب في خلق فوضى تعم إسرائيل، وإن ما يهيئ لهم فرص الإقدام عل هذه الأعمال، هو تسهيل حكومة نتنياهو لنشاطهم».
ولاحظ جيلان مخاوف بعض من كثيرين على مستقبل إسرائيل ذاتها، وهو الموقف الذي اتخذه موشى ليفنغر أحد أبرز مؤسسي جماعة «جوش إيمونيم» الداعمة للحركة الاستيطانية، والذي كان له دور أساسي في تأسيس هذا التنظيم السري في الثمانينات، والذي عاد مؤخراً ليعلن أن «مستقبل إسرائيل سيئ بل سيئ جداً».
ومن المعروف أن الجنرال جيلون كان رئيساً ل(«الشين بيت»، عندما ارتكب الإسرائيلي المتطرف إيغاد عمير جريمة اغتيال إسحق رابين عام 1995، وكان أشد ما أثار قلقه وقتئذ عدم قيام وزارة العدل والمحققين بها بالتحقيق في هذا النشاط الإرهابي، والتنظيم الذي يضمهم، كما لم يهتم أحد من المسؤولين بالتحقيق في نشاطات حاخامات متعصبين ومؤيدين لهذه الجماعات بين طلاب المدارس، خاصة وإن كثيرين يعتقدون أن هؤلاء الحاخامات كانوا وراء الهجمات التي نفذها هذا التنظيم السري في الثمانينات والتسعينات، ضد من يختلفون معهم.
وأشار جيلون إلى أن الأسوأ يمكن أن يحدث بينما نحن نرى بعض النشطاء منهم، ومن بينهم زوجة القاتل عمير، قد أنشأت حزباً هدفه العمل على إطلاق سراح قاتل رابين، والمحكوم عليه بالسجن مدى الحياة.
وأبدى جيلون غضبه من عدم قيام المدعي العام بتحقيقات حول عودة من ينتمون إلى هذا التنظيم إلى نشاطهم المخالف للقانون.
وكان قد تم في عام 2020 إطلاق سراح هاجاي عمير شقيق قاتل رابين من السجن، وعندئذ قال لراديو إسرائيل..«نحن فخورون بما فعلناه».
وأمام التخوفات المتسارعة من داخل إسرائيل على أمنها الداخلي والتي لم تعد في طيّ الكتمان، ألقى الكاتب الأمريكي بصحيفة «نيويورك تايمز»، توماس فريدمان نظرة على ما يجرى هناك، وقال:«من الواضح تماماً أن إسرائيل تتعرض لخطر حقيقي».
إن نظرة فريدمان قد وسعت أبعادها من خلال تشكيل رؤية له من داخل إسرائيل، وقال هناك من حذروني قبل سفري إلى إسرائيل من أنني سوف أجد هناك الآن إسرائيل أخرى، ليست كتلك التي عرفتها من قبل، ثم وجدت أنهم كانوا على صواب، فسكانها أصبحوا يعيشون في مكان ليس هو نفس ما عاشوا فيه من قبل، وليس هو البلد الذي كان جنرالات إسرائيل يقومون بحمايته، بل إنه ليس نفس الحليف الذي كانت أمريكا دائماً تدافع عنه، والواضح أمامي أن ما تواجهه إسرائيل اليوم، هو أشد خطورة من أي وقت مر بها منذ حرب 1948.