قلت للقلم: أليس عيباً أن تصف الهوية الثقافية العربية بأنها مختلّة التوازن، وتدّعي أنك ببضع كلمات قادرٌ على إعادته إليها؟ قال: كنت أنوي الحديث عن تصدّعات الهوية الثقافية، لكنني عدلتُ رأفةً بالقلوب الحساسة. في الحقيقة ما يختلج في صدري، ويعتلج في ذهني، هو ما «كافأت» به الأمّة عباقرتها الأفذاذ، من التكفير والرمي بالزندقة، إلى إحراق الكتب. استمرّت المواقف التنكيلية أكثر من ألف سنة إلى القرن العشرين، وهي أفعال اقتُرفت في حق النوابغ، ولا يُعقل أن تسقط بالتقادم، حتى ولو لم تكن للقيم والثروات الثقافية تشريعات وقوانين تحميها.
قلت: المشغول لا يُشغل، فالهوية الثقافية العربية اليوم أمامها ملفات ملفوفة، بألف تعقيد محفوفة، وقضايا شتى مصفوفة، وأخريات على الرفوف مرفوفة. دعك من الثقافة، فالأمّة جمعاء غير قادرة على حل المشكلات التي حلت بها بعد الحرب العالمية الثانية، فكيف تأتي الثقافة بالإعجاز وأعظم الإنجاز؟ قل، وبإيجاز: ما الطرح لديك، الذي لا يوجب الطرح؟ قال: ألا إنك قد نكأت الجرح، ونثرت الملح على القرح، فانعدام التوازن إنما مردّه إلى أننا كعرب غير متصالحين مع تراثنا الثقافي. أشك في أن أغلبية المثقفين تعرف بالضبط ما هي منظومة القيم الثقافية العربية التي تنظم طريقة تفكيرها إزاء الماضي والحاضر والمستقبل، من خلال نصوص محددة.
لتحقيق التصالح الثقافي مع ميراثنا يجب إعادة الاعتبار والمكانة والحقوق المعنوية إلى منارات ماضينا. المعرّي زندقوه، عملاق التصوف ابن عربي رموه بالكفر والإلحاد، بينما مؤلفات المستشرقين في أعماله، مكتبة. اضطهاد العرفاء وقتلهم شرحهما يطول، السهروردي والحلاج... أمّا ابن رشد فمأساة مضاعفة، لكونه فيلسوفاً وفقيهاً ومجموعة علماء في رجل.
قلت: ماذا تقصد بالتصالح، بدقة؟ قال: لا أقصد تبرئتهم وإعتاقهم من قضبان الأذهان، إنما التحرير تحرير أذهان الذين أخذوا تلك التّهم كمسلّمات قطعية لا تشوبها شائبة. قلت: هل لديك مقترح عملي يسهل به العمل، ويتحقق به الأمل؟ قال: نعم، أن يُعقد منتدى ثقافي، تبثّه في كل بلد عربي قناة فضائية في الأقل، يعاد فيه الاعتبار الثقافي والفكري إلى عظماء تاريخنا الذين ظُلموا، جرّاء سوء الفهم أو التطرف المفرط في التشدد. بعد ذلك على الأوساط الثقافية المحلية في العالم العربي إعادة قراءة روائعهم بتحديث فكري موضوعي ونظرات تجديدية، فهي كنوز ثقافتنا.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإيقاظيّة: تخيّل الثقافة العربيّة من دون أبي العلاء، وابن عربي، وابن رشد.