: آخر تحديث

دبلوماسية «الثقافة»

15
13
17

ما أعظم العلاقات الدولية القائمة على تعزيز التواصل الإنساني بين الشعوب، عبر قنوات الثقافة بفروعها المتعددة، التي تفتح آفاقاً من التواصل الحضاري، وتبادل المعرفة حول الهوية الوطنية لكل دولة، وفلسفه إرثها التاريخي، وعمق تراثها الشعبي، واستشراف المستقبل بحاضرها، وفق استراتيجيات متكاملة الأركان تدعم مصائر الشعوب في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والرياضية.

إن المملكة من كبريات الدول في العالم التي تدعم دبلوماسية الثقافة، وتعزز قواها الناعمة بأفكار ومنارات ثقافية تنتشر في دول العالم، ترسي دعائم الود والاحترام والتحاور، لا الصدام والتنافر، ولن أكون مبالغاً إذا قلت: مازال العالم يذكر بكل الفخر والتقدير للمملكة العربية السعودية تبنيها للعديد من المبادرات العالمية التي تقرب الشعوب وتزيد من السلام، والتأسيس للعلاقات بين الأفراد والمؤسسات في مختلف المناطق والارتقاء بها إلى أعلى مستويات السياسة.

وعندما نرى ذلك جليًا في العلاقات السعودية - الصينية تتبين بجلاء صورة بناء المعرفة وتعزيز صور التبادل الثقافي عندما دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لفرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في جامعة بكين والتي أصبحت منارة معرفية شامخة في أهم الجامعات العالمية ويرتادها آلاف المختصين والدارسين والمهتمين بتعلم اللغة العربية.

من تلك الفلسفة جاء إنشاء جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية؛ إيمانًا من المملكة بأهمية الثقافة والفنون والآداب في تعزيز التواصل الحضاري وتعميق التقارب الثقافي بين البلدين الصديقين، واستثمارًا لما يمتلكه البلدان إنسانيًا ورمزيًا وماديًا من إرث تاريخي حضاري وثقافي يمتد لآلاف السنين.

إن ما يميز الجائزة -التي تم تدشين أعمالها 26 مارس 2024 بفرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بجامعة بكين- أنها تأسست على قيم الثقافة الإنسانية الراقية، واحترام الإرث الحضاري الإنساني، ودعم سبل التواصل والمشاركة في الفعاليات الثقافية، وكان آخر ذلك مشاركة الجائزة في معرض بكين للكتاب 2024م، وكانت فيه المملكة العربية السعودية ممثلة بوزارة الثقافة السعودية ضيف شرف المعرض العالمي، وكان المبهر أيضاً الاهتمام الشعبي الصيني، والأوساط الثقافية في الدولة الصديقة بمكونات الجائزة، التي تُمنح سنويّاً في أربعة فروع، هي: البحوث والدراسات في المجالات الثقافية، والأعمال الفنية والإبداعية، والترجمة بين اللغتين العربية والصينية، وشخصية العام الثقافية بين البلدين.

إن الجائـزة تعزز دبلوماسية الثقافة، وتعرّف المجتمع الصيني بالمملكــة وثقافتهــا وإنجازاتهــا فــي الأوساط الثقافيــة والشــعبية الصينيــة، وتعزيــز التواصــل بيــن الشــعبين فــي المجالات الثقافيــة، والتعريــف برؤيــة المملكة 2030، واســتثمار القواســم المشــتركة بين البلدين، تحت إشراف وزارة الثقافــة بالمملكــة.

إن عبقرية الجائزة تكمن في تعريفها بالثقافة وروافدها بين البلدين، والثقافة في الأساس مكون إنساني بامتياز، وهذا هو الأهم، لتصبح العلاقات الثقافية ركيزة حضارية لنمو العلاقات الدولية، ومساهمتها في تدعيم أواصر التعاون والتبادل الثقافي، وتكثيف مسارات العمل السعودي-الصيني المشترك في قطاعات ثقافية ناهضة جديدة، ذات إمكانات كبيرة، يمكن البناء عليها للتعاون والتبادل الثقافي الواعد مستقبلاً، وفق رؤية حكيمة لقيادة رشيدة تؤمن بإمكانات طاقاتها الإنسانية الثقافية وشبابها الواعد، القادر على إبهار العالم بالمكون الثقافي السعودي الثري.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد