مساء الأحد الموافق 3 من هذا الشهر، كتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على تطبيق «تليغرام»، ما يلي: «حتى الآن قُتل عشرة أشخاص، من بينهم ثلاثة أطفال، مارك الذي لم يبلغ الثالثة، يليزاڤيتا التي تبلغ ثمانية أشهر، تيموڤي الذي يبلغ أربعة أشهر، الأطفال الأوكرانيون هم أهداف عسكرية لروسيا».
هذا المشهد الذي رسمه زيلينسكي بكلماته، وقع مساء اليوم نفسه في مدينة أوديسا الساحلية الأوكرانية، بعد أن استهدفتها طائرة مُسيْرة روسية. وكان الرئيس الأوكراني قد أضاف فقال: «يجب على العالم الرد على كل مظهر من مظاهر الشر الروسي، والتصدي لما تقوم به روسيا في أرض أوكرانيا».
والحقيقة أن كل متابع لما يجري على الجبهة الروسية الأوكرانية في الفترة الأخيرة، سيجد نفسه أمام أشياء غير مفهومة، وبالذات على الجانب الأوكراني، وإذا شئنا أن نحدد الفترة الأخيرة، فيمكننا القول إنها الفترة التي سبقت الذكرى السنوية الثانية للحرب بأيام، ثم التي تلتها منذ الرابع والعشرين من فبراير الماضي إلى اليوم.
العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرابع والعشرين من فبراير 2022، ومن يومها، كان هو يسميها عملية عسكرية ولا يزال، وكان العالم كله في المقابل يسميها، ولا يزال، حرباً تشنها روسيا على أوكرانيا.
وإذا كانت الحرب أو العملية العسكرية قد دخلت عامها الثالث في الرابع والعشرين من فبراير المنقضي، فهي طوال سنتين تقريباً، كانت تشير إلى تفوق غربي على الروس، فلما اقتربت ذكراها السنوية الثانية، بدا أن الآية قد انقلبت أو كادت، وأن الروس بدأوا يحققون اختراقات لم يحققوها من قبل، وأن الأوكرانيين بدأوا من جانبهم يواجهون هزائم لم يصادفوها من قبل أيضاً.
وهذا التحول على الجبهة بين الطرفين المتحاربين، لم يحدث من فراغ، لكنه تزامن مع تراجع في المساعدات التي حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على تقديمها منذ البداية لأوكرانيا، والتي بفضلها كان الجيش الأوكراني يحقق تقدماً على الجبهة، وكان يسارع إلى استعادة السيطرة على مناطق كثيرة كان الروس يتقدمون فيها.
ولكن مع بداية هذه السنة تقريباً، بدا أن الأمريكيين يتكاسلون في تقديم المساعدات المعتادة، وبدا أن الكونغرس الأمريكي يتباطأ فيما يطلبه منه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في هذا الشأن، وبغير مقدمات، ومن دون سبب يمكن فهمه أو استيعابه.
وكان جو بايدن قد طلب من الكونغرس 106 مليارات دولار مساعدات لأوكرانيا وتايوان وإسرائيل، فلم يوافق عليها حتى اللحظة، رغم أنه أقر مساعدات أخرى متفرقة لإسرائيل، ولكن مساعداته للبلدين الآخرين لا تزال متعطلة في أروقته، ولا تزال تمشي في مكانها هناك!.
وهذا الوضع من الواضح أنه مقلق جداً للأوكرانيين، ومن ورائهم الأوربيين، لأن أوروبا يهمها انتصار أوكرانيا في الحرب، وترى هزيمة الأوكرانيين هزيمة أوروبية، وليس في هذا شيء من المبالغة من جانب الأوربيين، لأن الحدود بين روسيا ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي حدود مباشرة، وبالتالي، فالحرب في حقيقتها بين أوروبا كلها، لا أوكرانيا وحدها، وبين روسيا، حتى ولو كانت أوروبا حريصة على عدم التورط المباشر في الحرب.
ومنذ بدء الحرب، كان يشار دائماً إلى طرفيها على النحو الآتي: روسيا في ناحية، والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفاؤهما في الناحية الأخرى. وكان هذا تعبيراً عن واقع حال على الأرض، فماذا جدّ في الأمر، ليجعل الولايات المتحدة تفقد حماسها الأول؟.
هذا سؤال يحير الأوروبيين جميعهم، ولا تتوقف الحيرة فيه عند حدود الأوكرانيين، أما ألمانيا فلأنها الداعم الأوروبي الأكبر لأوكرانيا، فإن مستشارها أولاڤ شولتز، كان قد زار واشنطن قبل أسابيع، ليرى فيها عن قرب ماذا غيّر من موقفها، وماذا بالضبط جعل حماسها يتراجع عما كان عليه، ولكن من الواضح أنه عاد بغير إجابة واضحة!.
وعندما دعا زيلينسكي إلى الرد على الشر الروسي، كان في الحقيقة يخاطب الولايات المتحدة، وكان وكأنه يخاطبها على طريقة: إياكِ أعني واسمعي يا جارة! فهل ستسمع أمريكا بالفعل؟.. هذا ما سوف نراه، وهذا ما تطلبه العاصمة الأوكرانية كييف، وهي تستيقظ هذه الأيام لتجد أنها تواجه موسكو بينما ظهرها إلى الحائط!.