يعادل حجم نهر ثويتس الجليدي الضخم الذي يوجد في غرب القارة القطبية الجنوبية، والمعروف أيضاً باسم «نهر نهاية العالم الجليدي»، حجم ولاية فلوريدا، وهو بمثابة حاجز طبيعي يحول دون انزلاق أجزاء من الصفيحة الجليدية الشاسعة المكونة من المياه العذبة التي تغطي القارة إلى البحر. وقد تم اكتشاف النهر الجليدي في سنة 1940، غير أن الأدلة العلمية على أنه يذوب بوتيرة أسرع بكثير مما كان يُعتقد لم تظهر إلا مؤخراً. وأحد تفسيرات ذلك هو الاحتباس الحراري.
وفي حال انهار النهر الجليدي، فإن ذلك قد يؤدي إلى تحرك أكثر للأنهار الجليدية الأخرى مع زيادة احتمال إضافة مزيد من المياه العذبة إلى المحيط. وهذا قد يتسبب في اضطرابات في التيارات التي تتدفق من القارة القطبية الجنوبية إلى محيطات العالم الأخرى. وبدوره، قد يؤدي هذا الأمر إلى تغيير أنماط المناخ، ويتسبب في ارتفاع مستويات البحار بأكثر من نصف متر في فترة زمنية قصيرة. وهو ما من شأنه أن يهدّد الجزر والمدن المنخفضة في كل القارات، وتشمل قائمة المدن الأكثر عرضةً للخطر كلاً من شنغهاي ومومباي ونيويورك ولندن وميامي، علاوة على المدن الساحلية في جنوب شرق آسيا.
الدول الجزرية في المحيط الهادئ عبّرت عن مخاوف عميقة بشأن ارتفاع مستوى سطح البحر في اجتماع «كوب 28» في دبي، في أواخر 2023، ذلك أنها تخشى ألا تكون قادرةً على التعامل مع التهديدات الوجودية التي قد تحدث بشكل أسرع مما كان متوقعاً. وإذ تأمل هذه الدول في أن يقدّم المجتمع الدولي قدراً أكبر من المساعدة، فإنها تبحث عن سبل بديلة لإنقاذ نفسها.
بيد أن الأزمات الفورية التي تواجهها الدول الجزرية لا تمثّل حتى الآن أولوية وطنية بالنسبة لمعظم الدول التي تعترف بعلم تغير المناخ ولكنها تواجه قيوداً على المدى القصير بخصوص اتخاذ خطوات جذرية للحدّ من انبعاثات الكربون. فأحد تأثيرات جائحة «كوفيد 19» كان ظهور عوامل اقتصادية أدت إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بمعدل أسرع من أي وقت مضى منذ عقد السبعينيات. وتبعاً لذلك، أصبح خفض التضخم هدفاً رئيسياً للاقتصادات المتقدمة. غير أن جل الدلائل تشير إلى أنه إذا كان التحول من طاقة الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة الخالية من الانبعاثات قد بات الآن أكثر قابلية للتحقيق من الناحية التقنية، فإن التكاليف ما تزال مرتفعة. وعلى سبيل المثال، فإن قيادة السيارات الكهربائية أمر شائق، لكن توفير الحوافز لتشجيع الأشخاص العاديين على شرائها وإنشاء البنية التحتية اللازمة لدعمها يكلّف الحكومات الكثير من المال، ويزيد من حجم الديون.
تحديات مماثلة تواجه الجهود الرامية إلى بناء منازل أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة وأكثر مقاوَمة للظواهر المناخية المتطرفة، خاصة الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات والجفاف. أجل، هذه منازل من الممكن بناؤها، ولكن بأي ثمن؟ هنا قد يصبح تأثير السوق الحرة عاملاً حاسماً. فالحكومات قد تناشد مواطنيها الإحجام عن شراء أو عن بناء منازل في المناطق المعرّضة للخطر، خاصة تلك التي تقع بالقرب من السواحل. غير أن العامل الحاسم الذي يحدد كيف سيستثمر الناس أموالهم في نهاية المطاف هو شركات التأمين التي إما ترفض تغطية المساكن التي تقع في مناطق معرّضة لخطر شديد، أو ستعمد إلى فرض أقساط مرتفعة لن يقدر على دفعها إلا الأثرياء.
نهر نهاية العالم الجليدي وفظاعات أخرى مرتبطة بالمناخ ستصبح تهديدات أكثر خطورة خلال العقود المقبلة، ليس فقط بسبب الأخطار المباشرة التي تطرحها، ولكن أيضاً لأنها ستسلّط الضوء أكثر على الهوة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة النقاشات السياسية حول سبل التخفيف من عواقب تغير المناخ الحتمية. وربما تساعد بعض الاختراقات في مجال الذكاء الاصطناعي على البحث عن طرق أكثر فعالية لمواجهة هذا التحدي. ومما لا شك فيه أن الذكاء الاصطناعي سيحسّن بشكل كبير التنبؤ الدقيق بأحوال الطقس وطرق استخراج الوقود الأحفوري واستخدامه بشكل أكثر كفاءة. كما أن هناك أملاً في أن يقدّم أجوبة تسمح بتطوير طرق اقتصادية وآمنة لإتقان الاندماج النووي، وهو حلم يراود معظم المهندسين.
وخلاصة القول إننا سنعرف خلال العقد القادم ما إن كان العالم سيستطيع احتواء ارتفاع درجات الحرارة وعكسه في نهاية المطاف. والأمل هو أن يكون ما زال من الممكن حينها القول إن الكأس نصف ممتلئ وليس نصف فارغ.