إيلاف من الرباط: كشف مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الشرقاوي حبوب،الخميس بسلا المجاورة للرباط ، أن خطورة الخلية المفككة أخيرا بمنطقة حد السوالم ( جنوب الدار البيضاء ) تَكمُن في تنامي “الاستقطاب الأسري” كرافد جارف للتطرف والتجنيد في صفوف المرشحين للقيام بعمليات إرهابية.
وقال حبوب، خلال مؤتمر صحفي نظمه المكتب المركزي للأبحاث القضائية، إن خطورة هذه الخلية المتطرفة لا تَكمُن فقط في المشاريع الإرهابية التي كانت تعتزم تنفيذها، ولا في المستوى المتقدم من التخطيط والاستعداد الذي بلغه أعضاؤها في مخططهم الإرهابي، وإنما في تنامي “الاستقطاب الأسري” كرافد جارف للتطرف والتجنيد في صفوف المرشحين للقيام بعمليات إرهابية.
جانب من المؤتمر الصحافي
وكان المكتب المركزي للأبحاث القضائية قد تمكن، خلال الساعات الأولى من صباح يوم الأحد الماضي، في ضوء معلومات استخباراتية دقيقة وفرتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني( مخابرات داخلية ) ، من إجهاض مخطط إرهابي وشيك، بعد توقيف أربعة عناصر متطرفة، من ضمنهم ثلاثة أشقاء، يرتبطون بتنظيم داعش الإرهابي، تتراوح أعمارهم ما بين 26 و35 سنة، كانوا ينشطون بمنطقة حد السوالم في إقليم برشيد.
خلية “الأشقاء الثلاثة” وتصاعد تهديد ناشئ
وسجل حبوب أن خلية “الأشقاء الثلاثة” كشفت عن تصاعد تهديد ناشئ، يُنذر بتحديات أمنية واجتماعية خطيرة، يتمثل في خطر انزلاق أسر بأكملها في شراك التطرف الفكري، وتشكيل جيوب مقاومة للأعراف والتقاليد المغربية ووحدة المجتمع والمذهب والعقيدة، وذلك بسبب التأثير الذي قد يمارسه بعض أفراد الأسرة الحاملين للفكر المتطرف على محيطهم الأسري والاجتماعي.
جانب من المحجوزات
وأعرب حبوب عن الأسف لكون الأمير المزعوم لهذه الخلية الإرهابية، وهو الشقيق الأكبر، استطاع تحويل أسرته الصغيرة كحاضنة للتطرف والتجنيد والاستقطاب لفائدة مشروعه الإرهابي، مستغلا في ذلك سلطته المعنوية وقدرته على التأثير السلبي في محيطه المجتمعي القريب.
وسجل حبوب أنه بالرغم من أن الأسرة المغربية شكلت دائما حصنا منيعا ضد الأفكار المتطرفة، ودعامة قوية للتسامح والتعايش والاعتدال، إلا أن التحقيقات المرتبطة بقضايا الإرهاب سمحت برصد بعض نزعات هذا “الاستقطاب الأسري” كآلية للتجنيد والتطرف السريع، مذكرا في هذا السياق، بـ “الخلية النسائية” التي تم تفكيكها بتاريخ 3 أكتوبر 2016، والتي تبين بأن جل أعضائها كانوا قد تشبعوا بالفكر “الداعشي” عن طريق التأثر بالوسط العائلي.
استغلال "الاستقطاب الأسري"
وأضاف أن خطورة هذا التهديد “تتزايد عندما ندرك بأن التنظيمات الإرهابية العالمية، خاصة تنظيم داعش، تسعى جاهدة لاستغلال (الاستقطاب الأسري)لخدمة مشاريعها التخريبية التي تستهدف المساس بأمن واستقرار بلادنا، من خلال الدفع بمقاتليها في بؤر التوتر إلى تجنيد أقربائهم وأشقائهم من أجل الانخراط في أعمال إرهابية”، وذلك على غرار زعيم الخلية الإرهابية التي تم تفكيكها بتاريخ 11 ديسمبر 2015 ، والتي عرفت وقتها بخلية “الدولة الاسلامية في بلاد المغرب الإسلامي”.
وأماط الشرقاوي اللثام عن حيثيات مثيرة تتعلق بخلية “الأشقاء الثلاثة”، حيث كان هؤلاء الشباب، يحضرون للقيام بعمليات تفجيرية تستهدف مقرات أمنية حساسة.و يطمحون إلى الالتحاق بمعسكرات تنظيم داعش في منطقة الساحل فور الانتهاء من تنفيذ مشروعهم الإرهابي، بل إن الشقيق الأكبر كان يعتزم نقل أبنائه الخمسة معه إلى هذه المنطقة، وهو ما يكشف بجلاء بأن التنظيمات الإرهابية في مختلف بؤر التوتر أصبحت تراهن على توفير “ظروف الإعاشة والإيواء” لجذب واستمالة المقاتلين وعائلاتهم من مختلف دول العالم.
تفكيك أزيد من 40 خلية لها علاقة بفروع "القاعدة " أو “داعش” بالساحل
وذكر الشرقاوي أن المعطيات الإحصائية تشير إلى أن السلطات المغربية فككت أزيد من 40 خلية إرهابية على علاقة وطيدة بفروع القاعدة أو “داعش” بالساحل الإفريقي، كما أنها رصدت منذ نهاية سنة 2022 مغادرة 130 من المتطرفين المغاربة إلى ساحات “الجهاد” الإفريقية في الصومال والساحل، وهو ما يكشف بوضوح حجم التهديدات المرتبطة بهذه المنطقة على الأمن والاستقرار في المحيط الإقليمي”.
وتابع قائلا: “كدليل على حجم هذه التحديات، نشير إلى أن العديد من المقاتلين المغاربة الذين انخرطوا في صفوف “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”جماعة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” و”داعش”، كانوا يسعون إلى توسيع نشاط جماعاتهم داخل المملكة المغربية، بل إن العديد منهم أسندت لهم مهام قيادية، والبعض الآخر تورط في عمليات إرهابية خطيرة، مثلما هو الحال بالنسبة للهجوم الذي شنّه فرع “داعش” بالصومال على ثكنة عسكرية للقوات الصومالية بمنطقة بونتلاند بتاريخ 31 ديسمبر 2024، والذي عرف مشاركة مغربيين كانتحاريين في عملية التنفيذ”.
تحذير المنتظم الدولي
كما ذكر المسؤول الأمني أن “المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني كانت سباقة، منذ مدة، لتحذير المنتظم الدولي بالاهتمام المتزايد لتنظيم القاعدة بمنطقة الساحل الافريقي، والتنبيه كذلك إلى أن هذه المنطقة ستتحول إلى قطب جهوي للتنظيمات الإرهابية الدولية”.
وحول النوايا والأهداف التي كانت تريد تنفيذها خلية الأشقاء الثلاثة، أعلن الشرقاوي أن العمليات الميدانية والأبحاث الأمنية المنجزة، كشفت بأن عناصر هذه الخلية الإرهابية الأخيرة كانوا يحضرون للقيام بعمليات تفجيرية تستهدف مقرات أمنية حساسة، فضلا عن أحد الأسواق الممتازة، ومحلات عمومية تستقبل الزبائن والأجانب.
وأشار الشرقاوي إلى أنه في إطار مخططهم الإرهابي المدروس، انخرط أفراد خلية “الأشقاء الثلاثة” في عملية سرية معقدة، حيث قاموا بتصوير المقرات المستهدفة من زوايا متعددة لتحديد نقاط الولوج والمنافذ، كما قاموا برسم خرائط تقريبية للمسارات المؤدية إلى تلك المواقع، مما يعكس مستوى التخطيط المتقدم الذي بلغوه، وكانت عقولهم مشغولة بتفاصيل دقيقة، لكنهم لم يدركوا أن يقظة الأجهزة الأمنية كانت تراقب تحركاتهم عن كثب.
وبخصوص الجانب اللوجيستي، استثمر أعضاء الشبكة في اقتناء مواد كيميائية ومعدات للتلحيم، تمهيدا لصناعة المتفجرات، حيث راهنوا على تنويع محلات العقاقير كوسيلة للتضليل، ظنًّا منهم أنهم يستطيعون إخفاء نواياهم عن الأنظار، لكن هذه الحيل لم تكن كافية، حيث كانت السلطات على دراية بكل تحركاتهم، مما أسفر في النهاية عن إحباط مخططهم قبل أن يتحول إلى تهديد حقيقي لأمن وسلامة المواطنين.
المواد الكيميائية المحجوزة أساسية لتهييء عبوات متفجرة
من جهته،قال والي الأمن عبد الرحمن اليوسفي العلمي، إن الخبرة أثبتت أن المواد الكيميائية المحجوزة على إثر تفكيك الخلية الإرهابية بمنطقة حد السوالم، أساسية لتهييء عبوات متفجرة.
عنصر من المكتب المركزي للأبحاث القضائية
وأوضح اليوسفي العلمي،أنه في ضوء نتائج الخبرة العلمية التي خضعت لها المواد الكيميائية والأدوات والآليات المشبوهة المحجوزة، اتضح أن خطورة وجاهزية هذه الخلية تتجلى في كون المواد، التي خضعت للخبرة هي أساسية لتهيئ عدد من العبوات المتفجرة المختلفة من حيث مكوناتها الكيميائية، وحساسيتها وخطورتها، وقوتها الانفجارية، وبالتالي، من حيث الدمار الذي سيخلفه انفجار كل نوع منها.
وأضاف أن سم الفئران القاتل وهو من ضمن المحجوزات المضمنة، تم إعداده لإضافته، بالإضافة إلى المسامير، إلى العبوة المتفجرة، حتى تكون أكثر فتكا بالنسبة للضحايا خصوصا الجرحى منهم.
وأشار في هذا الإطار إلى أن المختبر الوطني للشرطة العلمية التابع للمديرية العامة للأمن الوطني، توصل قصد القيام بالخبرات التقنية والعلمية، بعدد من هذه المحجوزات عبارة عن أختام قضائية يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أقسام، يضم الأول مجموعة من المواد الكيميائية على شكل مساحيق وسوائل مختلفة اللون والشكل، والثاني عبارة عن مجموعة من المسامير والأسلاك الحديدية والأسلاك المستعملة في التلحيم، أما الأختام الثالثة فتضم معدات وأدوات تستعمل غالبا في المختبرات.
وسجل اليوسفي العلمي أن الخبرة العلمية التي تم القيام بها من طرف المختبر، أكدت أن مجمل هذه المواد الكيميائية تدخل في تهيئ وصناعة العبوات المتفجرة التقليدية الخطيرة، والتي تكون في بعض الحالات أكثر فتكا مقارنة مع المتفجرات الأخرى.
وأثبتت الخبرة العلمية، يضيف المتحدث ذاته، أنه من خلال هذه المواد الكيميائية التي تم عرضها على المختبر يمكن الحصول على عدة عبوات متفجرة مختلفة من حيث المكونات، ومن حيث الحساسية، ومن حيث القوة الانفجارية والخطورة وبالتالي من حيث الدمار الذي يمكن أن يخلفه انفجار كل نوع من هذه العبوات كل على حدة.
وأبرز أن هذه المواد هي ذات استعمال مزدوج، وهي في الأساس معدة للاستعمال المدني سواء في المجال الفلاحي أو الصناعي أو لأغراض طبية، وغيرها، لكن يتم تغيير استغلالها لأهداف إجرامية وإرهابية وتخريبية، كما هو الحال في هذه القضية.
وبخصوص المجموعة الأخيرة من الأختام، يتابع المسؤول، أكدت الخبرة التقنية أنها عبارة عن آليات ومعدات بعضها مخبري، كما أن حجزها بمعية المواد الكيميائية والأسلاك الكهربائية والمسامير يوحي على أنه تم اقتناؤها لاستعمالها في تهيئي العبوات المتفجرة اعتمادا على المواد الكيميائية السالفة الذكر.
بروتوكول صارم للأمن والسلامة في التدخلات الامنية
من جهته ، قال بوبكر سبيك، الناطق الرسمي باسم مصالح الأمن الوطني( الامن العام) والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني( استخبارات داخلية) ، أن التدخلات الأمنية في مجال محاربة التطرف والإرهاب تخضع لبروتوكول صارم للأمن والسلامة.
وأوضح سبيك أن أي تدخل ينجز على ضوء المعلومات الاستخباراتية المتوفرة وبتنسيق مع المكتب المركزي للأبحاث القضائية والقوات الخاصة، يخضع لبروتوكول صارم بهدف إجهاض وتحييد أي خطر إرهابي، وحماية المواطنين وممتلكاتهم، وحماية موظفي الشرطة والأشخاص الذين يقومون بالتدخل الأمني.
لا ضحايا من قوات التدخل والاقتحام
وأضاف أن جميع التدخلات التي تم خلالها تطبيق هذا البروتوكول لم تشهد وقوع أي ضحية من قوات التدخل والاقتحام، مشيرا إلى أنه يمكن إذا اقتضى الحال، الرفع من مستوى هذا البروتوكول كلما كانت هناك مؤشرات قوية على تزايد حجم ومنسوب الخطر.
وفي ما يتعلق بالتدخل الأمني الأخير لتفكيك خلية إرهابية بمنطقة حد السوالم، أوضح المسؤول ذاته بأنه طرحت تحديات كبيرة تتعلق، على الخصوص، بوجود متفجرات وورود معلومات استخباراتية تؤكد أن هؤلاء الإرهابيين قاموا بعمليات تجريبية على هذه المتفجرات، وبالتالي كان من الضروري إقحام كلاب الشرطة المدربة المتخصصة في الكشف عن العبوات الناسفة.
وذكر أنه تمت الاستعانة، أيضا، بعناصر للقناصة متخصصين في الرماية عالية الدقة كانوا على متن طائرة مروحية وفوق الأسطح،استعدادا لأي رد فعل للمشتبه بهم الذين سبق لهم إعلان البيعة لـ”داعش” وبلغوا مرحلة “نقطة الصفر” إيذانا بالتنفيذ المادي للعمل الإرهابي والقيام بأي عمل يحقق ذلك، معتبرا أن اللجوء إلى الفرق المتخصصة للمشاركة في التدخل يأتي على ضوء المعطيات المتوفرة وحسب درجة الخطورة ومكان التدخل.
وشدد سبيك على أن عناصر الخلية اختاروا منطقة حد السوالم نظرا لوجود محلات سكناهم بها، مشيرا إلى أن بعض الخلايا الإرهابية بدأت تلجأ إلى المناطق القروية بدلا عن المجال الحضري اعتقادا منها أنها بعيدة عن اليقظة الأمنية.
وذكر بأن هذه العناصر كانت في مراحل متقدمة تحضيرا للتنفيذ المادي للعملية الإرهابية من خلال، على الخصوص، التوجه إلى المقرات المستهدفة، مضيفا أنه توفرت معطيات موثقة حول تصويرهم لجميع المقرات وتحديد مسالك المغادرة وإعداد رسومات تقريبية لأماكن تموضعهم ولمسالك الهروب.
اعتماد الارهابيين لنظرية “الذئاب المنفردة“
وفي ما يتعلق باعتماد الإرهابيين نظرية “الذئاب المنفردة”، اعتبر سبيك أن ذلك يأتي بعد تشديد القبضة الأمنية على المنظمات الإرهابية التي جعلتها تمنح هامشا كبيرا لحرية التصرف وتنفيذ العمليات الإرهابية الفردية بالوسائل المتاحة، مثل عمليات الدهس والتصفية الجسدية والتمثيل بالجثث.
كما أكد أن تنظيم “داعش” الإرهابي قام بالنزوح إلى أماكن وبؤر جديدة للتوتر، لاسيما في الساحل والقرن الإفريقي وغرب إفريقيا، بعدما اندحر في مواقعه التقليدية في العراق وسوريا، معتبرا أن فكره لا يزال قائما ويشكل تهديدا لجميع دول العالم، حيث يراهن، بالخصوص، على الوجود السيبراني الذي يتمتع به.
من جانب آخر، أكد سبيك أن الحملات الدعائية المشككة في العمليات الأمنية ضد الإرهاب تشكل خطورة على الأمن كلما كانت “ثقيلة ومكثفة”، لأنها تحاول جعل الأجهزة الأمنية المكلفة الارهاب تنكفئ على ذاتها لكي تواصل المنظمات الإرهابية ترويع الآمنين وتنفيذ عملياتها، وهو ما يندرج في إطار “الأهداف المتعدية القصد”.
وأبرز أن مصالح الأمن الوطني تعمل على محاربة مثل هذه الدعاية، خاصة من خلال التواصل مع وسائل الإعلام وتوفير المعطيات الدقيقة حول العمليات الأمنية وعرض المحجوزات للتأكيد على أن التهديد الإرهابي لا يزال قائما ووشيكا.
دور الإعلام
ونوه، في هذا الصدد، بالدور الذي يضطلع به الإعلام في تنوير الرأي العام و”إشباع حاجات المواطنين من المطلب الأمني”، مذكرا بأن المؤسسات الأمنية في المغرب تتوفر على ضباط مكلفين التواصل مع جميع وسائل الإعلام للرد على هذه الحملات الدعائية التي تستهدف المواطن وأمنه.
وشدد المسؤول ذاته على أن مصالح الأمن "تعكف حاليا على تحيين مخططات عملها مع التحديات والرهانات الأمنية المستقبلية، خصوصا في ما يتعلق بالتظاهرات الرياضية القارية والدولية التي ستحتضنها بلادنا في الأمد المنظور"، مشيرا إلى أن كسب الرهان الأمني هو الداعم الأساسي لإنجاح هذه التظاهرات وتوفير الأجواء الآمنة للتباري الرياضي .