لاهور (باكستان): عاد رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق نواز شريف إلى بلاده السبت بعد حوالى أربع سنوات في منفاه الاختياري في لندن، وقد بدأ مسيرة استئناف نشاطه السياسي في تجمّع ضمّ الآلاف من مناصريه تحضيرا للانتخابات المقرّرة العام المقبل.
وأطلقت الألعاب النارية لدى وصوله إلى متنزه في معقله لاهور حيث امتلأت الشوارع بأعلام حزبه.
تواجه باكستان أزمات أمنية واقتصادية وسياسية متداخلة دفعت إلى إرجاء الانتخابات إلى كانون الثاني/يناير 2024.
وتأتي عودة الرجل الذي أقام في المنفى اعتبارا من العام 2019، والذي كان رئيساً للوزراء ثلاث مرّات، في وقت يقبع منافسه الرئيسي عمران خان في السجن منذ آب/أغسطس وجرّد من أهلية خوض الانتخابات لمدة خمس سنوات.
وقال شريف أمام الحشود واضعا وشاحه الأحمر الشهير "ألقاكم اليوم بعد طول غياب، لكن محبتي لكم لا تزال على حالها. لم تخونوني يوما ولم أخنكم يوما".
فساد
شريف هو مؤسس حزب "رابطة مسلمي باكستان - جناح نواز"، وكان يقضي حكما بالحبس لإدانته بالفساد عندما غادر البلاد في العام 2018 لتلقي رعاية طبية في بريطانيا، وقد تجاهل أوامر قضائية عدة بالعودة إلى البلاد.
يرجّح محلّلون ان يكون قد توصّل لاتفاق مع المؤسسة العسكرية وقد أصدرت محكمة في إسلام أباد الأسبوع الماضي قرارا استباقيا بتخلية سبيله بكفالة حتى 24 تشرين الأول/أكتوبر، في خطوة تجنّبه التوقيف لدى عودته إلى البلاد.
وحطّت طائرة "أسد البنجاب" في إسلام أباد حيث وقّع وثائق للمحكمة، قبل أن تقلّه طائرة إلى لاهور ليتوجّه بعد ذلك بالمروحية إلى حديقة "إقبال الكبرى" حيث خاطب مناصريه.
ونشر أكثر من سبعة آلاف شرطي لضبط الحشود، على ما أفاد ضابط رفيع في الموقع.
مرحبون ومحللون
وقال رضي الله البالغ 18 عاما "أنا هنا لاستقبال زعيمي. التضخم مرتفع والفقراء يائسون. منحه الله فرصة العودة وتصحيح الوضع. وسبق له أن فعل ذلك".
وكان حزب شريف قد روّج مدى أشهر لعودة زعيمه معوّلا على إحيائه شعبيته المتراجعة.
حظوظ شريف السياسية تتوقّف على مدى قربه من المؤسسة العسكرية التي تتمتع بنفوذ كبير في البلاد وتعد "صانعة الملوك" في بلد حكمه العسكر بشكل مباشر لأكثر من نصف تاريخه وما زالوا يتمتعون بسلطة كبيرة فيه.
كان شريف قد عُزل من منصبه بتهمة الفساد في العام 2017 من قبل المحكمة العليا، بعد الكشف عن عقارات فاخرة تملكها عائلته عبر شركات قابضة خارجية.
ومنعته المحكمة العليا نفسها من شغل أيّ منصب سياسي مدى الحياة. غير أنّه نفى أن يكون ارتكب أيّ مخالفات، مندّداً بمؤامرة من قبل الجيش تهدف إلى تسهيل فوز عمران خان في الانتخابات. وقد أصبح خان بعد ذلك رئيساً للوزراء.
بعد إدانته في كانون الأول/ديسمبر 2018، سُجن نواز شريف لمدّة 10 أشهر. ثمّ أُطلق سراحه لأسباب طبية وسُمح له بالسفر إلى لندن لعدّة أسابيع لتلقّي العلاج.
انضم حزب "الرابطة الإسلامية الباكستانية - جناح نواز" إلى منافسه القديم "حزب الشعب الباكستاني" التابع لعائلة بوتو، الذي يهيمن أيضاً على السياسة الباكستانية منذ عقود، للإطاحة بخان من خلال مذكرة حجب الثقة في نيسان/أبريل 2022.
ونجح الحزب في إيصال شقيق نواز، شهباز شريف، إلى السلطة، فأشرفت حكومته على تعديلات قانونية، شملت تحديد الفترة التي يمكن خلالها تجريد النواب من أهلية خوض الانتخابات بخمس سنوات، تمهيدا لعودة شقيقه.
وقال المحلل زاهد حسين في تصريح لفرانس برس إن العقبات القضائية التي تحول دون عودة شريف إلى السلطة تتم إزالتها على الأرجح في إطار اتفاق سري بين حزبه والجيش.
وتابع "هناك ترتيبات ما تم التوصل إليها مع المؤسسة العسكرية. لولا ذلك، لما قرّر العودة".
مع ذلك، شهدت فترة حكم شقيقه القصيرة تضخّما جامحا وشحا في احتياطي العملات الأجنبية، ما دفع البلاد إلى شفير تخلف عن السداد، وأثر على مصداقية الحزب.
وقالت المحللة السياسية عائشة صديقة إن "التحدي الرئيسي لشريف هو أولا إثبات أنه وحزبه خيار بديل ممكن لعمران خان الذي يتمتع بشعبية، وثانيا لإنهاض الاقتصاد".