: آخر تحديث

الفوارق الثقافية الراديكالية بين الصين والغرب

62
79
60

"الفوارق الثقافية الراديكالية بين الصين والغرب"، ذاك هو عنوان مقال لشانتال دالسول نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في عددها الصادر في الرابع من شهر مايو-أيار الحالي.

وشانتال دالسول فيلسوفة تنتقد في هذا المقال تصريحات لو شاي، سفير الصين في باريس التي أثارت جدلاً واسعًا لا في فرنسا وحدها، بل في كل بلدان الاتحاد الأوروبي حيث زعم أن جزءًا هامًا من الأراضي الأوكرانية هو في الحقيقة تابع لروسيا. كما أنه نفى أن تكون قد حدثت مجازر خلال ما سمي بـ"الثورة الثقافية" التي أطلقها الزعيم الصيني ماوتسي تونغ في الستينات من القرن الماضي، والتي تأثرت بها العديد من الحركات اليسارية في جميع أنحاء العالم. بل أنها كانت بالنسبة لبعض القادة اليساريين خلال ثورة68 الطلابية مثالا يُحتذى به من أجل "إنسانية جديدة" بحسب تعبيرهم.

وبسبب الانتقادات الحادة التي فجرتها التصريحات المذكورة، وجدت الصين نفسها مجبرة على نفي ما جاء فيها.

وتقول شانتال دالسول إن السفير الصيني ينتمي بالتأكيد إلى العناصر الراديكالية في الحزب الشيوعي الصيني. وهو نفسه اعترف بأنه من "الذئاب المناضلة" التي تواجه "الضباع المجنونة" التي تهاجم الصين.
وهذه التوصيفات المستمدة من قاموس الحيوانات هي من اختصاص الصينيين. وهي تكشف خفايا الديبلوماسية الصينية التي تحاول في الظاهر أن تبدو وكأنها غير معادية للديمقراطية وحقوق الانسان. كما تكشف التصريحات حقيقة الثقافة الصينية التي تقول: الصينيون لا يعلنون أنهم ضحايا الغرب مثلما هو الحال بالنسبة للثقافات الأخرى(رغم انهم كذلك)، وأنهم بالتالي يرغبون في الاستفادة من كل هذا، بل هم يظهرون ثقافة لها القدرة  على مواجهة ثقافة الغرب، وعلى الصمود أمام إغراءاتها اعتمادًا على وسائلها الخاصة، ولها أيضًا قوة تمكنها من أن تتحدى عواصف العصر التي تثيرها الحداثة وما بعد الحداثة.

وتضيف شانتال دالسول قائلة: "إن أقوال السفير الصيني التي قد تبدو لنا خاطئة ومثيرة للاستغراب أخلاقيا، هي تستند في الحقيقة إلى منطق خاص، وإلى تماسك ثقافي قد نكون نحن غافلين عنه أحيانا. ولا توجد في العالم ثقافة مختلفة عن ثقافتنا مثل الثقافة الصينية حتى ولو أن كل الثقافات تلتقي في افتراضاتها الأنثروبولوجية والأخلاقية".

وتضيف شانتال دالسول قائلة بإن الشيوعيين الصينيين ابتعدوا عن كونفوشيوس خلال فترة حكم ماوتسي تونغ، وهي فترة تميّزت بالتدمير والتخريب والثورة على كل ما هو قديم. أما الآن فإن النخب الصينية أصبحت تدين بالكثير لكونفوشيوس، مُقتدية بتعاليمه. لذا فإن العارف بمثل هذه التعاليم لا يمكنه أن يستغرب أبدا ما جاء على لسان السفير في باريس. وتقول شانتال دالسول بإن الفكر السياسي الغربي يستند إلى كل من أفلاطون وأرسطو.

ويعتقد أفلاطون أن المجتمع المدني شبيه بالعائلة، وأن القائد السياسي هو الأب أو الراعي الذي يقود القطيع لأنه يتفوّق عليه في الذكاء وفي المهارة والخبرة.
أما أرسطو فيرى أن هناك فرقًا بين الدولة والعائلة لأن ربّ العائلة يتفوق على أبنائه الذين لم يبلغوا سن النضج بعد. أما أفراد المجتمع فمواطنون أحرار. مع هذه الفكرة بدأت الديمقراطية.  أما عند كونفيشيوس فإن الثقافة السياسية لا تختلف كثيرا عن تلك التي بلورها أفلاطون. ويعني ذلك أن المواطنين يحتاجون دائما إلى قائد حكيم يدبر شؤونهم، ويعالج أزماتهم، ويقودهم إلى برّ الأمان في أوقات الشدة. لذا يتحتم على هؤلاء المواطنين أن يُسلّمُوا أمرهم لهذا القائد الحكيم الذي يعرفهم، ويعرف ظروفهم جيدا. وهذا القائد الحكيم الذي يتوجب على الصينيين اطاعته هو الحزب الشيوعي الصيني.

وفي الوثائق السرية، يحذّر قادة الحزب الشيوعي الشعب الصيني من "الديمقراطية الغربية"، ومن "حقوق الانسان"، ومن كل ما يمت للثقافة الغربية بصلة خشية أن يفقد هويته التاريخية.

وتختم شانتال دالسول مقالها قائلة: "بين خطر الديمقراطية الغربية، وخطر حقوق الانسان، هناك "العدمية التاريخية" التي هي حرية الصحافة التي بإمكانها أن تفضح أخطاء ماوتسي تونغ. وعلينا أن نفهم أن السلطة الصينية ليست فقط سيدة الشعب والأقاليم، وإنما هي سيدة الواقع والتاريخ(...)وإذا ما نحن أخذنا بعين الاعتبار هذه الفروقات الراديكالية في الطرق التي بها نعالج مثل هذه القضايا، فإننا سوف نسير مفتوحي العيون والبصائر".     


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات