غرد أحد التويتريين بتغريدة، تحمل صورة لأجزاء من مقال قديم كُتِبَ عن الأستاذ عثمان العمير تحت عنوان (النرفيز) من النفرزة، وهو وصف أطلقه وكتبه الوزير السفير الشاعر الأديب الشهير الدكتور غازي القصيبي، كثناء وتقدير واعتزاز المحب ولكن في ثوب هجاء ساخر جميل.
حينها قام أستاذنا العمير بنشر المقال كاملاً فعلقت على التغريدة والمقال وقلت: أتمنى للأستاذ عثمان عمراً طويلاً يفوق المئة عام مفعماً بالصحة والعافية وأن يموت قبلي كي أرثيه رثاءً يخلده كأنسانٍ نادر.
رد علي الأستاذ بتغريدة وقال: اطلب صديقنا الأعز سالم أن يدفع الرثاء مقدماً!
قلت له مرة أخرى: بل سأكتبه.. تكريماً لشخصك العزيز وروحك الجميلة، واحتفاء بحياتك الزاهرة بالجمال والعطاء والفنون.
عاد وغرد قائلاً: ساكون سعيداً ففي الرحيل لا تسمع تكريماً أو تحطيما
لك كل المحبة.
وفجأة وجدت أناملي على غير العادة، تكتب مستعجلة ومستنفرة، ومستفزة على صفحات نوتات الآي فون لتعبر عن مايكنه الشعور واللا شعور لهذا الانسان الجميل الذي استطاع مبكراً أن يتخلص من عقد المجتمعات والمسلمات ويعتني بعقله وقلبه وجسده.. حتى أصبح عقلُهُ حقلَ ضوءٍ شاسعِ المساحات والمسافات لا يتوقف عن بثِّ أشعته في كل مكان، في الوقت الذي يستقبل فيه كل الأشعة من كل مكانٍ أيضا.
وغدا قلبُهُ، فضاءَ ألوانٍ بديعةٍ وزاهية، يتسع لكل المخلوقات التي تعشق ممارسة التحليق بدون ضجيج،
والغناء بدون صراخ،
والرسم بدون خربشة.
حتى أصبح عثمان صديقاً للفراشاتِ والعصافيرِ والأغصانِ
والعزفِ والإشراقِ والمطر.
فتراه مرة غيمة ماطرة،
ومرة يتشكل لك كفراشةٍ عابرة،
وكلما اقتربت من الدخول الى صالة اوركسترا تعزف مقطوعتها الموسيقية، تتخيله واقفاً أمام الفرقة العازفة، يقودها لعزف سمفونية البجع لتشايكوفسكي،
أو السفمونية اربعين لموزارت.
أما اذا دخلت متحفاً لعرض اللوحات الفنية الفاخرة، فسوف ترى خيال عثمان العمير واقفاً بجانب لوحة لفان خوخ، يتفحصها من كل جوانبها وكأنه يتشرب خطوط رسمها وألوانها، كي يهضمها ويفهمها قبل أن يغادر المتحف.
ولو كنت أملك القدرة على اختطاف عثمان العمير دون حساب وعقاب، لسرقت قلبَهُ من جسده ونسختُ منه مليار قلب، كي تتوارثُ البشريةُ قلوباً مفعمةً بالمحبةِ والطمأنينة، فيعمُّ السلامُ والأمانُ أجواءَ المعمورة.
وأنا على يقين بأن العالمَ بعد استنساخ ملايين القلوب العميرية، سيتجهُ لزراعةِ الورود، بدلاً من صناعة القنابل، وسيذهب الى مسارحِ الأوبرا، بدلاً من الذهابِ الى ميادينِ الحروب.
وسنرى الشوارعَ في كل مدن العالم تتزينُ برسومِ الفنانين التي تخاطب وجدان الإنسان، وترتقي بذائقتهِ الفنيةِ والفكريةِ والأدبية، كي يكون انساناً حقيقياً.
وسنشاهد الناس في كل الحدائقِ والمسارحِ والمدارسِ والشوارع، يرقصون فرحاً.. ويغنون للحياة الجميلة.
وأشهد وكلُّ صاحبِ عقلٍ مستنير، وكلُّ صاحبِ قلبٍ لا تسكنه الكراهية: أن عثمان العمير أحدُ صناعِ الوعي العربي الحديث، بأفعاله قبل أقواله، لأن عثمان طاقةٌ فاعلة.. وعاملة، وله رسالةٌ سامية؛ جوهرها الحرية والسلام والمحبة.
ولو كانت القلوبُ منتجعاً صحياً للشفاء، لتمنى الناسُ أن يستوطنوا قلبَ عثمان، كي تعودَ لهم الصحةُ والعافيةُ من جديد.
ففي قلبِ عثمان: حياة
ومن قلبهِ: تنبعثُ للقلوبِ حياة..
ومن عقلهِ: تنبثق اشراقات جميلة، تتعانق مع نسائم الصبح العليلة.
واذا كان جمال المخلوقات يكمن في ندرتها.. فإن عثمان انسانٌ نادر.
هكذا هو عثمان العمير؛
انسانٌ بقلبِ طائرِ الدَّراء،
وأناقةِ فراشةِ كريسيريديا ريفيوس
وله ذكاء الدولفين حين التمتع بالابداع والحركة.
لا يتثاءب ابداً في خلق العمل الجديد وصنع اللحظة السعيدة.. وابتكار المكان الذي يشعره بأنه يولد من جديد.
فاللحظة عند عثمان،
دورة حياة كاملة
ولا وقت عنده لضياع اللحظة المتفردة،
كيلا تتحول الى صراع.. أو فراغ.
يستيقظ الانسان في عثمان باستمرار، ليستفز الحجر كي تطلع من قلبه زهرة، ويستفز العقل كي ينثر فكرته،
ويفجر في الوجدان النقي ثورة حب؛ تؤسس لجمهورية المشاعر النبيلة.
سالم اليامي [email protected]