إيلاف من بغداد: بعد يومين من حديث مهم لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع برنامج "المقابلة" على قناة الجزيرة، أعلنت هيئة النزاهة العراقية عن تنفيذ عملية وصفتها بالكبرى والاستثنائية بمديرية التسجيل العقاري في محافظة الانبار، أسفرت عن القبض على مديرها و5 مسؤولين فيها بتهمة التلاعب والتزوير في عقود تمليك عشرات الآلاف من الأراضي، وتحريز نحو 70 ألف عقد لعقارات تم تمليكها بصورة مخالفة للقانون، وضبط أموال ناهزت 2.6 مليون دولار وقرابة 600 مليون دينار.
بدا إعلان هيئة النزاهة - كان رئيسها حيدر حنون يشرف على قضية الانبار بنفسه - تأكيدا عمليا لتوجه رئيس الوزراء منذ البداية بأن الفاسدين ستطالهم الدولة مهما علت مناصبهم ومهمن يقف وراءهم. فالرجل كان واضحا في عزمه على الاستمرار في هذا النهج، مع تعهده الإعلان قريبا عن أسماء كبرى تورطت في سرقة القرن معلنا انه لا توجد خطوط حمراء في هذه القضية.
في رأس الأولويات
ظهر جليا في الحوارات والخطابات التي ألقاها رئيس الوزراء في مناسبات عدة انه يضع الفساد على رأس أولوياته وان هيئة النزاهة لديها من الصلاحيات ما يمكنها من القضاء على تلك الآفة التي ظلت تنهش في جسد العراق لسنوات. فهو مصمم على مكافحة الفساد بكل قوة، وأوضح اقتناعه التام بأن الإعلان الشفاف عن المسؤولين والمحاسبة هما ضلعان رئيسيان في عملية مكافحة الفساد بالدولة، ودونهما ليس لمكافحة الفساد معنى.
وهنا يعي رئيس الوزراء ان المواطن العراقي ودولاب العمل الحكومي من اهم خطوط الدفاع الوطنية ضد الفساد المستشري، ويتحملان واجبا عظيما في مواجهته وضرب جذور ثقافته، وبالتالي شحذ همم المواطنين والموظفين تستوجب الشفافية والمحاسبة العلنية التي ستضرب امثلة حية على تطبيق الجهود على الأرض وتحفيز العامة على المشاركة بفاعلية في هذه الجهود والايمان بأهمية واثر مواجهة الفساد على تطور المجتمع العراقي في كافة المجالات وخاصة الاقتصادية.
ضمانة حقيقية
إن تكاتف المجتمع العراقي لمواجهة الفساد واصطفافه خلف رئيس الوزراء في تحقيق ذلك ضمانة حقيقية للاستمرار وبلوغ الهدف. كما تعكس سياسية السوداني وكلماته تقديره الكامل للسلطات المكلفة بالتحقيق وانفاذ القانون، أحد الاضلاع الرئيسية الأخرى في مواجهة الفساد، وتجلى ذلك في قوله ان مهمتهم تتركز في التحقيق وإصدار أوامر القبض بينما يأتي دوره في جلب المسئولين عن الفساد سواء داخل العراق او خارجه.
مرة أخرى، يؤكد رئيس الوزراء عزمه على ملاحقة المسؤولين عن الفساد، مهما كانت مواقعهم او أيا كانت أماكنهم، وهو ما يتسق تماما مع تعهداته التي قطعها على نفسه مع توليه المسؤولية وسط بحر متلاطم الأمواج من الفساد والأموال المنهوبة ومنها صفقة القرن التي بلغت ثلاث تريليونات وسبعة مليارات دينار عراقي، إضافة الى قضية مديرية التسجيل العقاري في الانبار وهو ما يعد مؤشرا قويا على استفحال قضية الفساد وتورط العديد من المسؤولين فيها.
وترتبط مسألة مكافحة الفساد بقضية التزوير وتهريب البضائع عبر المنافذ الحدودية للعراق وتلقى بظلال كثيفة على سعر صرف الدولار وهي من القضايا الملحة التي يتعين مواجهتها لضمان التحول الاقتصادي في العراق وشعور المواطن بالتحسن في أوضاع المعيشة.
إرادة قوية
يبدو ان رئيس الوزراء يتسلح بإرادة قوية لمواجهة هذه القضايا ولا يمر يوم من دون ان يظهر ذلك بشكل عملي، وهو ما يتضح من قضية مديرية التسجيل العقاري التي تشير اعداد عقودها المزورة الى مدى توغل الفساد في الاروقة الحكومية وتشابك منظومته العفنة والتي يحاول الفاسدون الاستفادة منها وتحقيق أرباح من ورائها.
لكن مع تأكيدات السوداني بقرب الإعلان عن الأسماء الكبرى المتورطة في قضية سرقة القرن وتشديده على ان القانون سيسري على الجميع تتقلص امال المجموعات المنتفعة من الفساد في استمرار الأحوال، وينتعش امل العراقيين في تحقق دولة القانون ونجاح جهود مواجهة الفساد، وينطلق العراق صوب مرحلة جديدة يستشرف فيها مستقبلا من الازدهار الاقتصادي المستند الى تعاون إقليمي فاعل وحكومة تعلى من مبادئ القانون والشفافية والنزاهة.