"كانت ثلاث دقائق حسبتها دهراً، إنها القيامة، لقد نجونا بمعجزة" هذه عبارات عبر بها ناجون سوريون عن مشاعرهم أثناء وقوع الزلزال الذي أصاب شمال البلاد فجر الإثنين، وأودى بحياة الآلاف من الأشخاص، إضافة إلى إصابة مئات الآلاف منهم.
ووقع الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، الإثنين بعد الساعة الرابعة صباحا، بالقرب من مدينة غازي عنتاب التركية. كما بلغت هزة ارتدادية لاحقة بنفس الدرجة تقريبا، ووصل امتداد الزلزالين إلى محافظات حلب وإدلب واللاذقية وحماه وطرطوس السورية.
شارك عدد من الناجين بي بي سي عربي، لحظات الرعب الأولى التي عاشوها أثناء الزلزال، وجميعهم يناشدون العالم على الإسراع في تقديم مساعدات عاجلة للمشردين الناجين ولإنقاذ الأشخاص العالقين تحت الركام قبل فوات الأوان.
"أكثر ما يؤلمني هو أن ترى أطفالاً يتوسلون إليك لتخرجهم من تحت الركام ولا تجد الحيلة والوسيلة للقيام بذلك"، يقول أحمد مصطفى من جنديرس، بريف عفرين في شمال غربي سوريا.
ويقول سكان جنديرس، والقرى المجاورة إنه "ليس لدينا فرق الإنقاذ الكافية التي تتناسب مع حجم الدمار الذي تسبب به الزلزال في هذه المنطقة".
وحتى الآن، تجاوز ت حصيلة ضحايا الزلزالين اللذين ضربا جنوب تركيا وشمال سوريا، 11200 قتيل وأصيب عشرات الآلاف في البلدين إضافة إلى آلاف المجهولين العالقين تحت الأنقاض، علماً أن هذه الأرقام آخذة في الارتفاع باستمرار .
ومن أكثر المناطق التي تضررت في سوريا إثر الزلزال هي محافظتا حلب وإدلب وريفيهما، وهي نفس المحافظات التي تضررت بدرجة كبيرة بالحرب السورية منذ 10 سنوات، ولا تزال تعاني من الظروف المعيشية السيئة للغاية، إذ يعيش 90 في المئة من سكان هذه المحافظات تحت خط الفقر.
كما تأثرت محافظات سورية أخرى بدرجة أقل وهي اللاذقية وحماه وطرطوس.
وتقطعت السبل بالكثيرين لطلب المساعدة.
تقول سلوى، وهي أم لطفلين دون سن الخامسة في حلب: "عندما استيقظت فجأة على اهتزاز المنزل وسقوط الأشياء، حملت أنا وزوجي طفلينا ونزلنا الدرج بسرعة البرق، صرخنا كلينا بأعلى صوتنا تنبيهاً للجيران، وكذلك فعل كل من استطاع الوصول إلى الشارع".
وتتابع سلوى: "لا نزال ننتظر المساعدات والخيام وطعام الأطفال، لا نسمع من حولنا غير بكاء الأطفال الجياع".
ونشر ناشطون مقاطع فيديو لطوابير السيارات المصطفة على جانبي الطرقات على مسافات طويلة حيث تنام فيها الأسر المشردة لليوم الثالث. كما لجأ الكثيرون إلى باحات المدارس وصالات الأفراح الواسعة والحدائق العامة وساحات الجوامع للتخييم فيها.
ويقول مصطفى أبو أحمد من عفرين: "في عفرين وريفها، لا يزال يُسمع أصوات وصراخ مئات الأطفال والرجال والنساء وهم يستغيثون من تحت الأنقاض، كما أن بعض الأصوات بدأت تختفي، لا نعلم إن كانوا قد ماتوا أم أن قواهم خارت من الصراخ المستمر، إننا نتقطع ألماً لأننا لا نستطيع إخراجهم بمفردنا، نحتاج المعدات المخصصة لإزالة هذا الكم الكبير من الركام".
وتجاوزت حصيلة القتلى في سوريا وحدها ألفي قتيل (الأعداد في تصاعد مستمر)، وعشرات الآلاف من المصابين ومئات العالقين تحت الأنقاض بحسب وزارة الصحة السورية وفرق الإغاثة المتعددة والمسعفين من سكان المناطق المتضررة في شمال غربي سوريا. ومعظمهم من النازحين السوريين الذين نزحوا عن منازلهم عدة مرات بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات.
زلزال تركيا وسوريا: قادة العالم يقدمون تعازيهم ويعرضون المساعدة
زلزال تركيا وسوريا: كاميرا مراقبة تسجل اللحظات الأولى للكارثة
أسوأ الزلازل التي شهدها العالم
زلزال تركيا: زلزال هائل مدمر يقتل أكثر من 1500 شخص في تركيا وسوريا والسكان نائمون
"ثلاث دقائق حسبتها دهراً"
تقول حميدة، وهي امرأة في عقدها الخامس تعيش في إحدى قرى جنديرس، في ريف عفرين، شمال غربي سوريا، إنها استيقظت قبل بضع دقائق فقط من حدوث الزلزال من أجل الصلاة، وإنها كانت لا تزال جالسة على سريرها عندما ضرب الزلزال فجأة.
"اهتزت الأرض فجأة، وقبل أن تتسنى لي فرصة التفكير أو حتى فهم ما يجري، تحرك السرير بشدة كما لو أنه كان ينفضني ويدفعني إلى الخارج، هرعتُ إلى فناء الدار ووقفت بجانب شجرة مذهولة وكأن صاعقة أصابتني، تمسكت بجذع شجرة، كانت ثلاث دقائق، لكني حسبتها دهراً. ارتعدت خوفاً من شدة الصدمة، تكسرت نوافذ منزلي أمام ناظري، وانهارت جدران غرفة المعيشة وتصدعت جدران الأخرى، كاد قلبي يتوقف من هول اللحظة، ولوهلة، تخيلت كما لو أن الأرض ستنشق وتبتلعني".
وتتابع: "لم أتحرك من مكاني، كنت كمن تجمد في مكانه، ولم يمر سوى دقائق، حتى هرع إلي جيراني للاطمئنان علي، ظناً منهم أنني في الغرفة، ما زلت الآن أبيت عند جيراني، لكنني أخشى من كارثة أخرى إذا ما أغمضت عيني".
"إنها القيامة"
أما جميل البالغ من العمر 66 عاماً، من بلدة جنديرس أيضاً فيقول: "فقدتُ ثلاث أسر بأكملها من أقاربي ومعارفي وجيراني، لقد ماتوا جميعهم مع أطفالهم وهم نيام، ولا يزال البحث مستمراً لانتشال المزيد من الجثث أو الأحياء الذين لا نزال نسمع أصواتهم من تحت الأنقاض".
"إنها ليست مجرد غصة موت في القلب على وفاة شخص عزيز، بل جرح لن يندمل أصابنا جميعاً بشكل جماعي، وفي الواقع لا أستطيع وصف حجم الرعب والدمار الذي أراه الآن أمام عيني، ما حدث لا يشبه أي شيء، كما لو أنها القيامة".
وقال جميل إن رجال البلدة والمسعفين لا يزالون يبحثون عن الأحياء تحت الركام، إلا أن الإمكانيات بسيطة جداً ولا تساعدهم بفعالية من أجل نجاح المهمة.
ويقول سكان جنديرس إنه لم تتوجه فرق الإغاثة المزودة بالمعدات المناسبة والآليات الثقيلة اللازمة لإزاحة أسقف الطوب المنهارة.
ويوجه جميل نداء بحرقة إلى العالم ويناشدهم للتوجه إلى جنديرس وقرى عفرين الأخرى النائية وإلا فسيفقد المزيد أرواحهم تحت الأنقاض.
ويشعر العديد من سكان المناطق المنكوبة في حلب وإدلب بالخوف من العودة إلى منازلهم بسبب التصدعات التي أصابت منازلهم، والتي باتت معرضة لخطر السقوط والانهيار في أي لحظة، وخاصة المباني المكونة من عدة طوابق.
ويقول جميل: "لا أستطيع وصف حالة الذعر التي عشناها، إنها لا تشبه حالات الرعب التي عشناها خلال سنوات الحرب السورية ولا تشبه الرعب الذي عشناه بسبب سقوط الصواريخ والقذائف علينا، إنه أسوأ بكثير، لأننا لا نعلم متى سينهار المبنى المتضرر من الأساس، ولا نستطيع العودة إلى المجهول".
"نجونا بمعجزة"
وفي مدينة حلب، استيقظ سكان العديد من الأحياء على عويل وصراخ المواطنين الذين هرعوا إلى الشارع حفاة يرتدون ملابس النوم الخفيفة، في البرد القارص.
نيرمين، البالغة من العمر 37 عاماً، وتسكن في الطابق الرابع في حي الشيخ مقصود بحلب تقول: "استيقظت على صراخ ابني ذو الـ 17 عاماً، وهو يقول: "استيقظوا زلزال زلزال"، وهرع مسرعاً عبر السلالم إلى الشارع وكأنه فهد بري بحسب وصفها.
للوهلة الأولى، لم تستوعب نيرمين وزوجها ما قاله ابنها، لكنها تقول: "سرعان ما بدأت اللوحات المعلقة على الحائط بالسقوط، كما سقطت الأواني في المطبخ وسقط التلفاز ومكتبة الكتب وكل شيء".
في هذه الأثناء، كانت مستسلمة تماماً وتستعد للموت بحسب قولها.
"لقد مال البناء تماماً لدرجة أنني لم أصدق أننا سنخرج أحياء من الشقة، ظننا أننا نموت، فلنترحم على أرواحنا، تجمدنا أنا وزوجي في مكاننا كأنما شلت أقدامنا، كانت ضربات قلبي قوية وكأنها صوت مدافع حربية من شدتها وسرعتها، لكن صدى صراخ ابني ومناداته لنا لم يتوقف، كان ينادينا بأعلى صوته: أمي، أبي أرجوكما أخرجوا بسرعة، سيسقط المبنى، اخرجوا الآن، وعلت أصوات الناس في الخارج، وهم ينادون ذويهم وأصحابهم وجيرانهم في لحظات كانت أشبه بالموت".
ويقول سالم، زوج نيرمين، فجأة شعرت بقوة غريبة اجتاحت صدري، أمسكت بيد نيرمين وركضنا عبر السلالم بسرعة البرق، وخلال لحظات رأينا أنفسنا في الشارع".
"ولحسن الحظ، في اللحظة التي قطعت فيها الطريق سقطت قطعاً ضخمة من الطوب من الطابق الخامس الذي كان هشاً ومدمراً أساساً نتيجة قذيفة سقطت عليه خلال المعارك في السنوات القليلة الماضية".
"ولسوء الحظ، تزامنت لحظة سقوط قطع الطوب، مع لحظة خروج رجل من المبنى، فجاءت في منتصف رأسه ليخرّ ميتاً أمام أعيننا في لحظات، إنه مشهد مرعب لن يمحى من ذاكرتي ما حييت".
"نجونا من الموت بمعجزة، لم تفصلنا عنه سوى لحظات معدودة، كان من الممكن أن نكون مكان ذلك الرجل المجهول الذي خرج بعدنا بثوان فقط".
ويناشد السوريون في جميع المناطق المتضررة، العالم لإرسال المساعدات الطبية والمواد الغذائية ومعدات الحفر والتنقيب بأقصى سرعة قبل أن يفقد المزيد حياتهم تحت الأنقاض.
ويقول مصطفى أحمد من جنديرس: "لا يسعني وصف الألم الذي أشعر به في هذه اللحظة وأنا أسمع أصوات الأطفال وهم ينادوننا أنقذونا أرجوكم أنقذونا".
ويضيف: "أستطيع لمس أيديهم من تحت الركام، لطمأنتهم بأننا هنا وبأننا سننقذهم، لكن في الحقيقة لم تتوجه أي جهة لتقديم المساعدة حتى الآن إلى هذه البقعة الجغرافية".
"لم يتوقف السكان المحليون عن أعمال التنقيب والبحث بأبسط الأدوات، حتى أن بعض الأطفال يساعدوننا باستخدام ملاعق الطعام".
وبادر العديد من الدول العربية والغربية إلى إرسال المساعدات اللازمة، إلا أنها تكاد لا تُذكر مقارنة بحجم الكارثة.
وقدّرت منظمة الصحة العالمية أعداد الأشخاص المعرضين للتأثر بتبعات الزلازل التي ضربت جنوب تركيا وشمال سوريا، بما يصل إلى 23 مليون شخص، ويشمل الرقم أكثر من مليون طفل.
وبسبب أضرار الزلزال الكبيرة التي لحقت بالطرق في سوريا، تقطعت السبل أمام تدفق المساعدات الإنسانية الأممية أيضاً التي تدخل شمال غربي سوريا عن طريق تركيا.