: آخر تحديث
تعديل دستور العراق يصطدم بغياب التوافق السياسي

السوداني يعيّن مستشاراً له لتنفيذ "المهمة المستحيلة"!

57
56
63

إيلاف من لندن: مع تعيين رئيس الوزراء العراقي الاحد مستشاراً له للشؤون الدستورية، تثار مجدداً المطالب الشعبية الملحة بتعديل دستور البلاد، بعد ان فشلت محاولات تنفيذ هذه التعديلات منذ عام 2005.   

فقد عيّن رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني اليوم مستشاراً له للشؤون الدستورية في قرار أعاد الى الواجهة مهمة تعديل الدستور العراقي الذي صادق عليه استفتاء شعبي عام 2005 والتي بدأ مراقبون يصفونها بالمهمة المستحيلة في ظروف العراق الحالية خاصة بعد تشكيل البرلمان لعدة لجان لهذا الغرض منذ عام 2016، لكنها لم تستطع انجاز مهمتها بسبب طبيعة النظام السياسي الذي انبثق بعد التغيير عام 2003 وأرتكز على المحاصصة الطائفية والعرقية وهيمنة قواها السياسية على السلطة ووجود مادة دستورية تجعل هذه التعديلات شبه مستحيلة.
 حسن الياسري رئيس هيئة النزاهة السابق عينه السوداني الاحد 29 كانون الثاني يناير 2023 مستشارا له للشؤون الدستورية (فيسبوك)

فقد قرر السوداني اليوم تكليف حسن نعمة الياسري مستشاراً له للشؤون الدستورية وكان قد تولى بين عامي 2015 و2018 رئاسة هيئة النزاهة العامة المكلفة بمكافحة الفساد، الا انه استقال منها بسبب صعوبات أكد انها تقف بوجه تنفيذ مهمته.

مهام مستشار الشؤون الدستورية
وعن مهمة المستشار الجديد اشار المكتب الاعلامي للسوداني في بيان صحافي تابعته "ايلاف" ان الياسري سيبدأ مهام عمله بعقد اجتماعاتٍ ولقاءاتٍ وتباحث مع ممثلي الرئاسات التنفيذية والتشريعية، فضلاً عن التداول مع السلطة القضائية بغية رسم ملامح خارطة طريق لإجراء التعديلات الدستورية المطلوبة.

وأوضح ان هذه الخطوة تأتي "التزاماً من الحكومة لتنفيذ بعض مضامين المنهاج الوزاري الذي صادق عليه مجلس النواب في 27 تشرين الأول أكتوبر2022 وعملاً باتفاق الكتل السياسية حول الحاجة إلى إجراء تعديلاتٍ دستوريةٍ يُتفق عليها، وتجنباً لتكرار حالات الانسداد السياسي التي حصلت بمراحل مختلفة، خصوصاً في الفترة الأخيرة".

وأضاف المكتب الاعلامي ان هذا الإجراء يأتي كذلك "سعياً من الحكومة لتحقيق الانسيابية المطلوبة للعمل في مفاصل الدولة، بما يتوافق مع قراراتٍ سابقةٍ للمحكمة الاتحادية العليا ومواقف لمجلس القضاء الأعلى، انطوت على الدعوة لإجراء التعديلات الدستورية، فضلاً عن كون هذه الخطوة تمثل تأييداً من الحكومة للرأي العام في العراق حول الحاجة الفعلية لإجراء تلك التعديلات".

غياب التوافق السياسي يعرقل المهمة
وفي أول رد فعل على تعيين مستشار لرئاسة الحكومة للشؤون الدستورية اليوم فقد اعتبر الاطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية (عدا التيار الصدري) ان مهمة تعديل الدستور في غياب اي توافق سياسي بين القوى الحاكمة حاليا تبدو غير ممكنة.

وقال القيادي في الإطار محمود الحياني في تصريح لوكالة "شفق نيوز" العراقية تابعته "ايلاف" ان "تعديل بعض الفقرات الدستورية يحتاج الى توافق سياسي وبصراحة لا يوجد أي توافق سياسي بهذا الخصوص فهناك الكثير من الاختلافات حول التعديلات المطلوبة".

وحذّر من ان "تحرك السوداني نحو تعديل بعض فقرات الدستور ربما سيثير مشاكل بين بعض القوى السياسية فهناك تحفظ على هذا التعديل، رغم أن التعديل أصبح ضرورة، خصوصاً مع وجود ثغرات كثيرة في الدستور العراقي".
 
الدستور مُرر بشرط سني
وقبيل الاستفتاء على الدستور الحالي عام 2005 كانت هناك اعتراضات من القوى السنية على بنوده كادت ان تُفشل مساعي الموافقة عليه بعد ان هددت آنذاك بمقاطعة الاستفتاء، لكن ضغوطا أميركية نجحت في حلّ المشكلة باقتراح وافقت عليه جميع القوى السياسية، وذلك بإضافة مادة الى الدستور حملت رقم 142، ونصت على تعديل واضافة مواد جديدة اليه خلال سقف زمني أمده أربعة اشهر، وهو أمر لم ينفذ حتى الان.    
ولقد تشكلت فعلاً لجنة موسعة تضم ممثلين عن جميع القوى السياسية، وذلك بعد الاستفتاء. وعقدت اجتماعات عدة، لكن تسويف القوى الشيعية والكردية ووضعها العراقيل امام عمل اللجنة جمد عملها وابقى الحال على ماهو عليه.

التعديلات المطلوبة
ولدى تشكيل حكومة جديدة برئاسة حيدر العبادي اواخر عام 2014، رفض السنة المشاركة فيها ما لم يتم التوقيع على تعهدات تضمن حقوقا للسنة في مشاركة حقيقية بأوضاع العراق، وكان في مقدمتها تعديل الدستور. فتم تشكيل لذلك عام 2016 ولم تقدم اي انجاز ايضا.
وكان منتظرا ان يطال عمل اللجنة تعديل نحو 30 مادة تقضي بتعديل فقرة نظام الحكم وتحويله إلى رئاسي أو شبه رئاسي وبتشكيل مجلس اتحادي يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، ويتم انتخاب اعضائه بالاقتراع العام السري المباشر .. كما تنص على اعتبار العراق جزءٌ من العالم العربي والاسلامي وتحظر كل كيانٍ او نهجٍ أو ممارسةٍ أو فعلٍ يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير أو التطهير الطائفي او يحرض أو يمهد أو يروج له كما تمنع  إنشاء أية ميليشيات مسلحة وتؤكد على التداول السلمي للسلطة .. اضافة الى النص تحريم الفعل والتحريض الطائفي بمادة جديدة واخرى تقول "العراق بلدٌ متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وعضوٌ مؤسسٌ لجامعة الدول العربية، وملتزمٌ بميثاقها، وهو جزءٌ أساسٌ وفاعلٌ في محيطه العربي والاسلامي".

وحظرت مادة اخرى تشكيل المليشيات قائلة  للحكومة وحدها الحق في انشاء القوات المسلحة النظامية، ويحظر إنشاء أوعمل اية ميليشيات مسلحة" .كما يتم تحريم سن اي دستور اقليمي يتعارض مع الدستوري الاتحادي في نص يؤكد انه "لا يجوز سن دستورٍ للأقليم أو قانونٍ اتحادي أو اقليمي، يتعارض مع هذا الدستور".

يشار الى ان من أبرز الفقرات الدستورية الخلافية التي تحتاج إلى تعديل أيضا هي المتعلقة بـ "النفط والغاز والمادة 140 من الدستور المتعلقة بملف المناطق المتنازع عليها بين سلطتي بغداد وكردستان وقانون الهيئات المستقلة والصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء باختيار وزرائه وإقالتهم والمحافظين".
 كما  أن هناك مقترحا ضمن التعديلات أن يكون تشكيل الحكومة عن طريق الحزب أو الكتلة الفائزة في الانتخابات وليس التي تتشكل بعد الانتخابات  بحيث تكون الكتلة التي حصلت على أعلى المقاعد هي التي تقدم رئيس الوزراء".
 

البرلمان العراقي الجديد الذي بدأ اعماله مطلع عام 2022 لم يتخذ اي خطوة نحو التعديلات الدستورية (البرلمان)

لجنة لترضية المحتجين
وفي 30 تشرين الاول اكتوبر عام 2019 واثر اندلاع احتجاجات شعبية في معظم محافظات البلاد قرر مجلس النواب العراقي بعد ايام من ذلك  تشكيل لجنة تضم 18 برلمانيا ممثلين عن احزاب وحركات سياسية ارضاء للمتظاهرين الذين شكلوا انذاك تحديا للنظام الحاكم برمته.
لكن هذه اللجنة خلت من مختصين وقانونيين لاجراء التعديلات المطلوبة على الدستور وكان من بين اعضائها رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني حين كان نائبا في البرلمان غير انها لم تنجز اي اعمال لها وبقي قرار تشكيلها على رفوف البرلمان.

دستور كتب على عجل
وعادة ما يقر قادة سياسيون بان الدستور العراقي ما زال يحمل بعض الثغرات وان كتابته قد تمت على عجالة (بين عامي 2004 و2005) بعد سقوط النظام السابق ما يقتضي تعديله وفق ما نص عليه الدستور نفسه لمعالجة الخروقات المتكررة لمواده ووقفها ومنع عودة الدكتاتورية من خلال تجاوز مواده الدائم .
غير ان الحقائق على ارض تشير الى انه من شبه المستحيل تعديل الدستور في اوضاع البلاد الحالية اذ ان الموافقة على التعديلات الدستورية تتطلب في حال اتمامها موافقة أغلبية عدد اعضاء مجلس النواب اي 165 نائبا ثم تطرح على استفتاء شعبي تتطلب موافقة اكثر من خمسة ملايين صوت وكذلك لا بد من ان لا ترفض ثلاث محافظات هذه التعديلات لان الدستور يعطى حق النقض (الفيتو) للمصوتين في ثلاث محافظات برفض التعديلات حتى ولو وافقت عليها الخمس عشرة المحافظة الاخرى حيث تم وضع هذا النص بناء على طلب التحالف الكردستاني عند كتابة الدستور فهذا النص يمنع اجراء اي تعديل ما لم توافق عليه ثلاث محافظات سواء في الاقليم الذي يضم (ثلاث محافظات كردية) او خارج الاقليم حيث ان النص يجيز ايضا لثلاث محافظات شيعية رفض هذه التعديلات وهو ما يعني ان التعديل طبقا لهذه المادة اشبه بالسراب بدليل مضي 17 عاما على الموعد الذي حدده الدستور للتعديل لكنه لم ينجز لحد الان.
ولذلك فأن طلب تعديل الدستور لايمكن ان يمر بأي حال من الاحوال من دون موافقة الشيعة والاكراد وهؤلاء طبعا لايمكن ان يتنازلوا عن اي "حقوق" لهم نص عليها الدستور..  

وفي اخر حديث عن مهمة تعديل الدستور، فقد اعلنت لجنة التعديلات الدستورية البرلمانية في 6 حزيران يونيو عام 2021 عن تأجيل تقريرها الخاص بالتعديلات إلى الدورة البرلمانية الحالية لكنه لم يتم اي تحرك نحو ذلك لحد الان من قبل البرلمان الجديد الذي بدأ اعماله منذ أكثر من عام وبالتحديد في 9 كانون الثاني يناير عام 2022.  

يشار الى ان الدستور العراقي الحالي الذي كتب برعاية الحاكم الاميركي السابق للعراق بول بريمر يواجه انتقادات عدة تحمله مسؤولية صياغة عملية سياسية في البلاد تقوم على المحاصصة التي ادت الى تدهور اوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار