بكين: أعطت المناورات العسكرية التي تجريها الصين قرب تايوان إشارات على تعزيز قدرات جيشها، وملامح خطط أعدتها لفرض حصار على الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، في حال قررت شنّ هجوم واسع على أراضي تايبيه.
وأثارت الزيارة التي قامت بها الى تايوان هذا الأسبوع رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، الثانية في تراتبية شغل منصب الرئاسة بحال شغوره، غضب الصين التي ردت بإطلاق مناورات واسعة حول الجزيرة، رغم أن ذلك قد يكشف خططها العسكرية أمام خصومها كالولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
وتشارك مقاتلات ومروحيات وسفن في المناورات العسكرية الممتدة الى الأحد، وتهدف الى محاكاة فرض حصار على تايوان واختبار "الهجوم على أهداف في البحر"، وفق وكالة "شينخوا" الصينية الرسمية.
وهذه المرة الأولى التي تقترب فيها المناورات الصينية الى هذه الدرجة من تايوان، اذ تجرى تمارين على بعد أقل من 20 كلم من سواحل الجزيرة.
وفي خطوة أخرى غير مسبوقة، تشمل المناورات مناطق شرق تايوان تعد ذات أهمية استراتيجية في امداد القوات العسكرية للجزيرة، إضافة الى أي تعزيزات أميركية محتملة في حال تعرضت حليفة واشنطن لهجوم صيني.
فرض حصار
وتتمتع تايوان بالحكم الذاتي، إلا أن الصين تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، ولوّحت باستعادة السيطرة عليها في نهاية المطاف ولو بالقوة.
وبعدما تردد لمدة طويلة أن "سيناريو الحصار" قد يكون من الاستراتيجيات الصينية المعتمدة في حال الهجوم على الجزيرة، كشفت مناورات هذا الأسبوع جانباً من الجانب العملي لهذه الخطة.
وسيهدف الحصار في حال فرضه، للحؤول دون دخول السفن والطائرات التجارية والحربية الى تايوان أو مغادرتها، ومنع أي قوات أميركية متمركزة في المنطقة من اسناد الجانب التايواني.
ويقول المحلل العسكري الصيني سونغ جونغبينغ إن للجيش الصيني "بطبيعة الحال القدرات لفرض حصار كهذا".
ويضيف لوكالة فرانس برس "رأينا خلال المناورات الراهنة أن لا قدرة للمقاتلات والسفن الحربية التايوانية على الإقلاع أو الإبحار من موانئها".
وأطلق الجيش الصيني الخميس أكثر من عشرة صواريخ بالستية أصابت مناطق عدة في محيط تايوان، وحلّق عدد منها في الأجواء فوق الجزيرة، وفق ما أفاد التلفزيون الرسمي الصيني الجمعة.
وبحسب "شينخوا"، جنّدت الصين أكثر من 100 طائرة حربية وأكثر من عشر فرقاطات ومدمّرات، شملت مقاتلة "جاي-20" التي لا ترصدها أنظمة الرادار، ومدمّرة من طراز 055، واللتان تعدان درّة تاج قواتها البحرية والجوية.
المناورات
وأبعد من اختبار المعدات، تتيح المناورات تحسين التنسيق بين الوحدات العسكرية كالقوات البرية والبحرية والجوية والصاروخية، إضافة الى الدعم الاستراتيجي الموكل الحرب الالكترونية.
وتعد المناورات اختباراً محورياً لـ"المسرح الشرقي لعمليات الجيش الصيني" الذي تم إنشاؤه عام 2016، ويشرف على كامل المساحة البحرية الشرقية للبلاد التي تضم تايوان.
ويرى أستاذ الأمن الدولي في جامعة أستراليا الوطنية جون بلاكسلاند أن المناورات تكشف "القدرات الصلبة" للصين، وأنه لا يمكن اعتبار جيشها "قوة بلا خبرة أو غير قادرة (...) من الواضح أن لديهم القدرة على التنسيق بين البر والبحر، وعلى نشر أنظمة صاروخية تعمل بنجاعة".
ويشير لفرانس برس إلى أن المناورات تبعث برسالة الى تايوان والولايات المتحدة واليابان بأن لدى الصين "ما يمكّنها من تنفيذ ما تهدّد به".
إلا أن ما تقوم به الصين خلال المناورات "تتم دراسته ومعاينته عن قرب لاستخلاص دروس من قبل الصين والولايات المتحدة واليابان وآخرين".
وخلال أزمة سابقة بشأن مضيق تايوان بين 1995 و1996، دفعت البحرية الأميركية بسفن عبر الممر المائي، ونشرت حاملة طائرات قرب الجزيرة.
إلا أن الأمور اختلفت هذه المرة.
ويوضح لوني هنلي، العنصر السابق في الاستخبارات الأميركية والأستاذ في كلية إليوت سكول للدراسات الدولية، أن "الحكومة الأميركية تتخذ خطوات حذرة لتفادي تصعيد غير مرغوب به".
تعاظم القدرات العسكرية
ومن أسباب هذا الحذر أيضاً تعاظم القدرات العسكرية للصين مقارنة بعام 1996، حين كانت غير قادرة على منع دخول القطع البحرية الأميركية.
ويذهب غرانت نوشام، الضابط السابق في البحرية الأميركية والباحث في منتدى اليابان للدراسات الاستراتيجية، أبعد من ذلك، ليؤكد أن قدرات الجيش الصيني "قد تتخطى القدرات الأميركية في بعض المجالات".
ويحذّر من أنه "إذا انحصرت المعركة في المنطقة المحيطة بتايوان، فالبحرية الصينية اليوم هي خصم خطر جداً... وفي حال لم يتدخل الأميركيون واليابانيون لسبب ما، ستكون الأمور صعبة جداً على تايوان".
ويرى محللون أن اختراقات الصين المتكررة لـ"الخط الأوسط" في مضيق تايوان بين البرّ الرئيسي والجزيرة، والذي لا تعترف به بكين، تعكس أيضاً ثقة صينية متزايدة بقدراتها.
ويرى بلاكسلاند أن الصين، وحتى الفترة الراهنة "لم تكن مرتاحة يوماً للدفع بمطالبها بشأن الخط الأوسط"، مضيفاً "يمكننا أن نتوقع استمرارهم في العمل وكأن لا صلاحية للخط الأوسط".
ويتابع "هذا ما كان الأمر عليه منذ مدة، إلا أنه يتسارع حالياً".