: آخر تحديث
باع أسرارها لكوريا الشمالية وإيران وليبيا

عبد القدير خان.. صنع باكستان النووية وخانها!

38
39
32
مواضيع ذات صلة

إيلاف من دبي: تطوي وفاة مهندس البرنامج النووي الباكستاني، عبد القدير خان، صفحة "قاتمة" في عمليات انتشار أسلحة الدمار الشامل، بعدما سبق وأقرّ بإفشائه أسراراً تتعلق بتكنولوجيا تُستخدم في صنع أسلحة نووية، وبيعها لدولٍ، مثل كوريا الشمالية وإيران وليبيا، وهي اعترافات عاد وألمح إلى أنه "أُجبر" عليها، وفقًا لتقرير نشره موقع "الشرق" الإخباري.

لكن خان يُعتبر "بطلاً قومياً" في بلاده، و"منقذاً" لها، إذ كتب الرئيس الباكستاني عارف علوي على "تويتر": "ساعدنا (خان) في تطوير درع نووية أنقذت الأمّة، كما أن دولة ممتنّة لن تنسى خدماته في هذا الصدد". علماً أن خان أشرف على أول تفجير نووي نفذته إسلام آباد، في عام 1998، بعد فترة وجيزة على تفجير نووي مشابه نفذته نيودلهي.

أما رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، فوصف الراحل بأنه "رمز وطني"، أتاح برنامجه للأسلحة النووية "الأمن ضد جار نووي عدواني أكبر بكثير"، في إشارة إلى الهند.

خان كان أُدخل مستشفى، في أغسطس الماضي، بعد إصابته بفيروس كورونا المستجد. وشكا آنذاك من أن عمران خان تجاهل وضعه الصحي، قائلاً: "أشعر بخيبة أمل كبرى، لأن رئيس الوزراء أو أياً من أعضاء حكومته، لم يستفسروا بعد عن وضعي الصحي". في المقابل، أعرب زعيم المعارضة، شهباز شريف، عن مخاوفه بشأن صحة العالم الباكستاني، ووصفه بأنه "فخر باكستان"، حيث نال أرفع الأوسمة.

أنقذتُ باكستان مرتين

يقول تقرير "الشرق" إن السلطات الباكستانية  اعتقلت عبد القدير خان في 31 يناير 2004 نتيجة تسريبه تكنولوجيا نووية إلى دول أخرى. وفي 4 فبراير، تلا الأخير بياناً على التلفزيون الباكستاني، أعلن فيه تحمّله المسؤولية الكاملة عن نشاطه، مبرّئاً الجيش والحكومة من أيّ تورّط بالأمر. وفي اليوم التالي، أصدر الرئيس الباكستاني السابق، برويز مشرف، عفواً عنه، لكنه أخضعه لإقامة جبرية حتى عام 2009، حين أسقطت حكومة يوسف رضا جيلاني التهم الجنائية الموجّهة إليه.

لكن خان تراجع لاحقاً عن تصريحاته، وقال لوكالة "فرانس برس" في عام 2008: "أنقذتُ البلاد للمرة الأولى عندما جعلت باكستان دولة نووية، وأنقذتها مرة أخرى عندما اعترفت وتحمّلت المسؤولية كاملة".

وفي عام 2012، أثار خان جدلاً، بعد قوله لصحيفة باكستانية إنه نقل التكنولوجيا النووية إلى دولتين، لم يحدّدهما، بتوجيه من رئيسة الوزراء الراحلة بينظير بوتو، التي اغتيلت في عام 2007. وأضاف: "لم أكن مستقلاً، بل ملزم بالإذعان لأوامر رئيسة الوزراء". لكن "حزب الشعب الباكستاني"، الذي كانت تتزعمه بوتو، وصف ادعاء خان بأنه "بلا أساس".

رشوة كورية شمالية

أوردت صحيفة "ذي آيريش تايمز" الإيرلندية أن تقارير سابقة من إسلام أباد، أفادت بأن خان كان يزعم أن كل عمليات تسريب التكنولوجيا النووية تمّت بـ"معرفة كاملة" من الجيش، الذي يسيطر على البرنامج النووي الباكستاني. كذلك لمّح خان إلى "تواطؤ" مشرّف في إفشاء أسرار نووية لكوريا الشمالية.

ونقلت الصحيفة عن مصادر رسمية أن مشرّف توسّط في إبرام صفقة مع خان، بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا، لأن محاكمته كانت ستكشف تورّط الجيش في الفضيحة، وتشكّل كارثة لمشرّف، الذي أصبح، منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، حليفاً للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن خان قدّم وثائق، يعتبر أنها تُثبت زعمه أنه حوّل شخصياً أكثر من 3 ملايين دولار، من كوريا الشمالية إلى ضباط بارزين في الجيش الباكستاني، والذي أفاد بأنه وافق لاحقاً على تزويده علماء كوريين شماليين، المعرفة الفنية بالتكنولوجيا النووية ومعدات ذرية.

وكشف خان عما قال إنه نسخة من رسالة "سرية"، مكتوبة باللغة الإنجليزية، وجّهها إليه سكرتير حزب العمال الشيوعي الكوري الشمالي، جون بيونج هو، في 15 يوليو 1998، توضح تفاصيل الصفقة، تكشف "دفع 3 ملايين دولار" لمسؤول عسكري باكستاني و"نصف مليون دولار" ومجوهرات لمسؤول ثانٍ.

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن جهانكير كرامت، وهو رئيس سابق لأركان الجيش الباكستاني، اتُهم بتلقّي الثلاثة ملايين دولار، أكد أن ما ورد في الرسالة "خبيث وليس صحيحاً"، معتبراً أن خان يحاول "إلقاء اللوم على آخرين". كما أن المسؤول الثاني المذكور في الرسالة، الجنرال المتقاعد ذو الفقار خان، وصفها بأنها "تلفيق".

نجوع.. ونمتلك قنبلة نووية

وُلد خان في بوبال بالهند، في 1 أبريل 1936، وهاجرت أسرته إلى باكستان، خلال تقسيم شبه القارة الهندية، في عام 1947، في نهاية الحكم الاستعماري البريطاني. تخرّج في جامعة كراتشي، في عام 1960، ثم تابع دراسة الهندسة المعدنية في برلين، قبل استكمال دراساته المتقدّمة، في هولندا وبلجيكا.

وأفادت "فرانس برس" بأن "مساهمته الحاسمة" للبرنامج النووي الباكستاني تمثلت في استحواذه على تصميم لأجهزة الطرد المركزي، المُستخدمة في تخصيب اليورانيوم وتحويله إلى وقود يُستخدم في صنع أسلحة نووية. وأضافت الوكالة أن خان اتُهم بسرقة هذه التصميم من هولندا، أثناء عمله في كونسورتيوم "يورينكو" الإنجليزي الهولندي الألماني المشترك للهندسة النووية، وتهريبه إلى باكستان في عام 1975، بحسب "الشرق".

تأثّر خان بهزيمة باكستان أمام الهند، في حرب 1971، واختبار نيودلهي أول جهاز تفجير نووي، في مايو 1974، في ما عُرف باسم عملية "بوذا المبتسم". وفي 17 سبتمبر 1974، وجّه رسالة إلى رئيس الوزراء الباكستاني، ذو الفقار علي بوتو، عارضاً مساعدته في صنع قنبلة ذرية، مستخدماً اليورانيوم لا البلوتونيوم.

التقى بوتو بخان، في ديسمبر 1974، وشجّعه على فعل كل ما في وسعه، لمساعدة باكستان في امتلاك قنبلة ذرية. وفي العام التالي، حصل خان على تصاميم لأجهزة الطرد المركزي، وغادر هولندا عائداً إلى بلاده، في 15 ديسمبر 1975، مع التصاميم ولائحة المورّدين. ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن بوتو قوله آنذاك: "نحن (الباكستانيين) سنأكل عشباً، بل سنجوع، لكننا سنمتلك (قنبلة نووية)".

بروجكت-706

عمِل خان أولاً مع "هيئة الطاقة الذرية الباكستانية"، لكنه اصطدم برئيسها، منير أحمد خان. وفي منتصف 1976، أسّس خان، بتوجيه من بوتو، "مختبر الأبحاث الهندسية"، لتطوير قدرات تخصيب اليورانيوم، علماً أن المختبر سيُعرف باسم "مختبر أبحاث خان"، في عام 1981، ومقرّه في كاهوتا، التي تبعد 50 كيلومتراً جنوب شرقي إسلام آباد. وفي هذا المركز، طوّر خان نماذج أولية لأجهزة طرد مركزي، بناءً على التصاميم الألمانية، واستخدم لائحة المورّدين التي حصل عليها في هولندا، لاستيراد المكوّنات الأساسية، من شركات سويسرية وهولندية وبريطانية وألمانية.

وفتحت الحكومة الهولندية تحقيقاً بشأن خان، وحكمت عليه غيابياً بالسجن 4 سنوات، علماً أن محكمة استئناف نقضت الحكم لاحقاً.

عُرف مشروع خان لتخصيب اليورانيوم باسم "بروجكت-706"، وكان ينتقد بشدة محاولات غربية لتعطيل قدرة باكستان على تطوير أسلحة نووية. وكتب في مجلة "در شبيغل" الألمانية، في إشارة إلى الأميركيين والبريطانيين: "هل عيّن الله هؤلاء الأوغاد حرّاساً على العالم، لتخزين مئات الآلاف من الرؤوس الحربية النووية، وهل أعطاهم السلطة لتنفيذ تفجيرات كل شهر؟".

وبمساعدة تصاميم نووية صينية، باتت القنبلة الذرية الباكستانية حقيقة، إذ نفذت إسلام آباد أول تفجير نووي، في 28 مايو 1998، قال بعدها خان إن باكستان "لم ترغب أبداً في صنع أسلحة نووية، (بل) اضطرت إلى فعل ذلك"، بحسب "فرانس برس".

وفي خطاب ألقاه أمام "المعهد الباكستاني للشؤون الوطنية"، في عام 1990، ذكر خان أنه كان يشتري معدات في أسواق عالمية، أثناء تطويره البرنامج النووي الباكستاني. وأضاف: "لم يكن ممكناً بالنسبة إلينا صنع كل قطعة من المعدات داخل البلاد".

ابتزاز نووي هندي

في منتصف ثمانينات القرن العشرين، بدأ خان بتأسيس شركات واجهة، في خارج باكستان، باع من خلالها أجهزة طرد مركزي ومكوّنات وتصاميم وخبرة تكنولوجية، في السوق السوداء. أتاح ذلك لإيران تشييد مجمّع لتخصيب اليورانيوم، على أساس النموذج الباكستاني. كما زار خان كوريا الشمالية 13 مرة على الأقلّ، ويُشتبه في أنه زوّدها بتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم، علماً أن مختبره طوّر أيضاً صاروخ "غوري" الباليستي الباكستاني، بمساعدة من الكوريين الشماليين.

كذلك ساعد خان ليبيا في إطلاق برنامج تسلّح نووي، قبل أن تعترض الولايات المتحدة، في عام 2003، سفينة شحن ألمانية متجهة إلى ليبيا، تحوي قطع غيار لألف جهاز طرد مركزي، يُقدّر ثمنها بمئة مليون دولار. وتوصّلت واشنطن إلى اتفاق مع العقيد معمر القذافي، لتفكيك البرنامج النووي الليبي، مقراً باستيراد أجهزته من خان.

في 16 مايو 2011، نشرت مجلة "نيوزويك" الأميركية بياناً أصدره خان، ورد فيه: "نشأ دافع باكستان لـ(امتلاك) أسلحة نووية، من الحاجة لمنع (ابتزاز نووي) من الهند. لو كان العراق وليبيا قوتين نوويتين، لما دُمّرا بالطريقة التي شهدناها أخيراً... لو كانت (باكستان) تمتلك قدرة (ذرية) قبل عام 1971، لما كنّا لنفقد نصف بلدنا بعد هزيمة مشينة"، في إشارة إلى سلخ "باكستان الشرقية"، التي ستُعرف لاحقاً باسم بنغلادش.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار