قد يستغرب البعض من صمت الملكة البريطانية من أمور سياسية مصيرية تحدق ببلادها كالاستفتاء على خروج أو بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حادثة اغتيال النائبة العمالية جو كوكس، إلا أن إليزابيث الثانية تتقصد ذلك لكونها رأس الأمة وينبغي عليها عدم التحيّز لمعسكر ضد آخر.
إيلاف من لندن: شرحت الاختصاصية في الحضارة البريطانية، كاثرين مارشال، لمجلة OBS الفرنسية، الأسباب التي تدفع الملكة البريطانية إليزابيث الثانية إلى البقاء على حياد سياسي في مسألة حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، موضحة أنّ تجسيد الملكة للأمة وسعيها إلى الحفاظ على الاستقرار يحتّمان عليها ذلك. فهي بمثابة أمّ، لا أحد سواها قادر على جمع البريطانيين بعد 23 يونيو، وأية محاولة لجرّها إلى المستنقع يلطّخ الأمة بكاملها.
حالات استثنائية
وفسّرت مارشال أنّ الملكة لا تستطيع أن تعبّر عن رأيها ضمن نقاش سياسي "فالملك يسود، ولا يحكم"، ورئيس الوزراء هو الذي يصدر الأحكام دائمًا باسم التاج. كما إنّها ذكرت كتابات الدستوري باجيو Bagehot في القرن التاسع عشر: "يحق لصاحب السيادة أن يستشار ويشجع ويحذّر"، مسلّطة الضوء على اجتماعات ديفيد كاميرون الأسبوعية مع الملكة ليطلعها على الملفات المتداولة ويأخذ بنصائحها.
وقالت إنّ الملكة بإمكانها أن تمارس جزءًا من صلاحياتها، التي يعترف بها القانون العام، مثل القبول بحلّ البرلمان أو الرفض، وفي الحالات الاستثنائية كوقوع أزمات كبرى: فإذا جاءت نتيجة الاستفتاء لمصلحة الـ Brexit، ورفض النواب بالإجماع التصويت للخروج من الاتحاد، تستطيع الملكة أن تؤدي دورًا مهمًا من خلال استخدام صلاحياتها لمصلحة شعبها. ثم عدّدت بعض المواقف التي تطلّبت تدخّل الملكة:
- في العام 1957 لتسمية هارولد مكميلان رئيسًا للوزراء، ثم أليك دوغلاس هوم في العام 1963، بسبب عدم وضع الحزب المحافظ آلية انتخابية داخلية لمرشّحه.
- بعد تفجيرات لندن في 2005 بهدف دعم الأمة ونشر الراحة فيها.
- بعد الاستفتاء الاسكتلندي في ديسمبر 2014، في خلال رسالة عيد الميلاد، من أجل فدرلة الشعب البريطاني.
تسريبات غير أكيدة
وفي تعليقها حول ما نشرته جريدة "ذا صان" The Sun في الثامن من مارس الفائت عن تأييد الملكة لحملة Brexit، شرحت مارشال أنّ توني غلاغر، محرّر "ذا صن" قد استند إلى آراء سمعها في غداء أقيم في وندسور في أحد منازل العائلة الملكية، في العام 2011، حيث صرّحت الملكة أنّ الاتحاد الأوروبي يسلك اتّجاهًا خاطئًا.
كان حاضرًا آنذاك نيك كليغ، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي السابق المؤيد للاتحاد الأوروبي، ونائب رئيس الوزراء البريطاني الحالي، فأنكر هذه التصريحات فورًا. وعلّقت قائلة: "ربما تكون إليزابيث الثانية قد لفظت هذه الكلمات، ولكن عمومًا، يتمسّك كل القادة السياسيين بالحفاظ على حيادية الملكة".
وفي ما يتعلّق بمقتل النائب جو كوكس، أشارت مارشال إلى أنّ الملكة لن تلقي كلمة علنية، لأنّ النقاشات حول هذا الموضوع حادّة بالفعل، وتمزّق البلد، لكنّها بالتأكيد ستصدر بيانًا تعبّر فيه عن تعاطفها، تمامًا مثل الزعماء الآخرين.
تأويل رأي وليام
أما بالنسبة إلى باقي أفراد العائلة الملكية، فلفتت مارشال إلى أهمية أن يلتزموا الحياد السياسي أيضًا، حتى لو كانت للملك تشارلز آراء أكثر حزمًا من والدته. وقالت إنّ الأمير وليام وزوجته يتوخّيان الحذر بشدة، ويعتمدان واجب التحفظ، على الرغم من تفسير البعض لكلمات وليام في فبراير الماضي، وكأنها دعم للمعسكر المؤيد لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
وختمت مشيرة إلى أنّ بعض الجهات التابعة لمعسكرَي الحملة الجارية تريد أن تستعمل العائلة الملكية كأداة، لكنّ مستشاري العرش يدركون مدى خطورة أن تعبّر الملكة عن رأي مخالف لشريحة من شعبها.