من سباقات الجليد إلى تحديات البقاء، تظهر النساء قدرة متقدمة على التحمل في البيئات القاسية. دراسة جديدة تكشف أن الفروقات الفسيولوجية قد تكون لصالح المرأة عند اختبار حدود الطاقة والصبر.
إيلاف من لندن: على مدى عقود، ركزت الأبحاث المتعلقة بالفروقات الجسدية بين الجنسين في الأداء الرياضي على تجارب مخبرية، تتميز بدقة ضبط الظروف، مما يساعد على فهم الآليات الفسيولوجية (الوظيفية) للجسم. ومع ذلك، فإن هذه التجارب كثيراً ما تفتقر إلى الواقعية، إذ لا تعكس الظروف القاسية والمعقدة التي يواجهها الرياضيون في البيئات الحقيقية.
مصطلحات مفيدة |
---|
+ التمثيل الغذائي (Metabolism): + الكفاءة الأيضية (Metabolic Efficiency): + مؤشر كتلة الجسم (BMI): + دورة الطمث (Menstrual Cycle): + التستوستيرون: + إستروجين وبروجستيرون: + الماء ثنائي التأشير (Doubly Labeled Water): + التحول القطبي (Arctic Shift): |
من منع النساء إلى تحطيم القيود
في عام 1967، أصبحت كاثرين سوِتزر، ابنة ضابط في الجيش الأميركي، أول امرأة تُكمل ماراثون بوسطن كمُشاركة مسجَّلة رسمياً. وخلال السباق، تعرّضت لهجوم جسدي من قبل مدير السباق جوك سيمبل الذي حاول انتزاع رقم مشاركتها، بدعوى أن القوانين تحظر مشاركة النساء، باعتبار أنهن "غير قادرات على الركض لمسافات طويلة". استمر هذا الحظر حتى عام 1972، قبل أن يتغير بفعل الضغط المجتمعي وتطور الرؤية نحو قدرات المرأة.
وبينما سجّل جوني هايز أول رقم قياسي للرجال في الماراثون عام 1908، بات الكيني كلفن كِبتوم صاحب الرقم القياسي الحالي للرجال بزمن قدره ساعتان وثلاثة وثلاثون ثانية (2:00:35)، في ماراثون شيكاغو لعام 2023. أما روث تشبنغيتش، العداءة الكينية، فحطّمت الرقم القياسي للنساء في الحدث نفسه بزمن بلغ ساعتين وتسع دقائق وست وخمسين ثانية (2:09:56)، بفارق تسع دقائق و21 ثانية فقط عن نظيرها الذكري.
هل تقترب النساء من التفوق في الرياضات القصوى؟
في الغالب، يتفوّق الذكور على الإناث بنسبة تتراوح بين 10% إلى 30% في مؤشرات مثل القوة والسرعة والقدرة الهوائية (التحمل). ولكن، تشير دراسات حديثة إلى أن هذا الفارق يتقلص كلما زادت مدة أو مسافة السباق. أي أن النساء يظهرن أداءً أقرب أو حتى متفوقاً على الرجال في التحديات الأطول والأكثر قسوة.
الدراسة التي نشرتها دورية Frontiers in Physiology، استخدمت تقنية تُعرف باسم "الماء ثنائي التأشير" لقياس الطاقة المصروفة في بعثة التزلج الشتوي في جبال ألاسكا — وهي رحلة قاسية وغير مدعومة لمسافة 200 كيلومتر. أظهرت النتائج أن النساء صرفن طاقة أقل مقارنة بحجم الحمل البدني، ما يشير إلى كفاءة أيضية أعلى لديهن في مثل هذه الظروف.
هرمونات وتكوين جسدي مختلف
تعود هذه الفروق جزئياً إلى التركيب الهرموني والوراثي المختلف بين الجنسين. فهرمون التستوستيرون (هرمون الذكورة)، الذي يرتفع لدى الذكور بنحو 30 ضعفاً بعد البلوغ، يعزز نمو العضلات والقوة. أما الإناث، فمستوى هذا الهرمون لديهن منخفض نسبياً طوال الحياة. كما تختلف الدورة الشهرية لدى النساء في مستويات الإستروجين والبروجستيرون، مع بعض الفرضيات التي تربط ارتفاع الإستروجين خلال "الطور الجُريبي" بزيادة قدرة الجسم على حرق الدهون. مع ذلك، تشير تحليلات حديثة إلى أن هذه التغيرات الهرمونية لا تؤثر كثيراً على التمثيل الغذائي (الأيض).
من سباقات التحمل إلى صحراء ألاسكا
رغم أن حالات تفوق النساء في سباقات التحمل القصوى كانت تُعد استثناءً، كما في حالة باميلا ريد وهيروكو أوكياما اللتين تفوقتا على الرجال في سباقات Badwater وDeutschlandlauf، فإن الفجوة الزمنية بين الجنسين في سباقات تمتد من 6 إلى 240 ساعة قد تقلّصت بنحو 3% على مدى الأربعين سنة الأخيرة.
المثير للاهتمام، أن هذا الفارق يتقلص أكثر كلما زاد عدد النساء المشاركات مقارنة بالرجال. أي أن قلة مشاركة النساء في بعض هذه السباقات هي ما يمنع ظهور أداء مكافئ أو حتى متفوق، وليس ضعفاً في القدرة نفسها.
في دراسة تناولت المتسابقين في سباق Yukon Arctic Ultra — أطول وأبرد سباق ماراثوني في العالم — لاحظ الباحثون بالتعاون مع الدكتور ماتياس شتايناخ من مركز طب الفضاء في برلين، أن أي شخص يملك مؤشر كتلة جسم (BMI) يساوي 22 أو أقل لم يُكمل السباق مطلقاً. وكان المتوسط العام للمؤشر في كلا الجنسين نحو 24، مع نسبة دهون أعلى لدى النساء بنحو 30%. وعلى الرغم من أن الرجال يملكون كتلة عضلية أكبر، فإن نسبة من أكملوا السباق من الجنسين كانت متساوية تقريباً.
هل تملك النساء "آلية داخلية" تتحمل البرد بشكل أفضل؟
تشير بيانات حديثة إلى وجود ما يُعرف بـ "التحوّل القطبي لدى النساء"، وهي حالة ينشط فيها الجسم لزيادة إنتاج الحرارة في البرد عند درجات حرارة أقل مقارنة بالرجال، ما قد يخفف من الضغط الأيضي (التمثيل الغذائي) تحت البرد القارس.
يعكف الباحثون الآن على دراسة عينات من البلازما والعضلات والدهون والبراز والشعر من المتسابقين في Yukon Arctic Ultra لفهم كيفية تمكّن النساء من تحقيق نفس القدرة على التحمل رغم الفروق العضلية.
المرأة في سيناريوهات عسكرية ميدانية
كجزء من البحث في السيناريوهات القتالية، قام الفريق بقياس الطاقة المصروفة خلال بعثات صيد برية في ألاسكا، حيث يتم إنزال المشاركين — رجالاً ونساءً — في البرية بطائرة صغيرة، مع بندقية وحقيبة ظهر وهاتف متصل بالأقمار الصناعية، ليبقوا وحدهم من أسبوعين إلى أربعة.
ورغم أن النساء يحملن وزنًا نسبيًا أكبر مقارنة بأجسامهن، إلا أنهن أظهرن نفس مستوى القدرة على التحمل والإنجاز. وقد أظهرت نتائج الاستهلاك الكلي للطاقة مقسومًا على الكتلة العضلية أن لا فروق تُذكر بين الرجال والنساء من حيث الطاقة المطلوبة لأداء المجهود.
ويعمل الباحثون حاليًا على تحليل التغيرات الدقيقة في بنية العضلات ووظيفتها لدى الجنسين باستخدام تقنيات نظائر مستقرة (stable isotopes) طوّرت بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا – بيركلي.
هل تتحمل النساء أكثر من الرجال تحت الضغط؟
رغم أن الرجال لعبوا تقليديًا دور الحماة والمقاتلين، تشير المعطيات الناشئة من سباقات التحمل القصوى إلى أن النساء قد يكنّ أكثر مرونة أيضية (Metabolically resilient) عند مواجهة ظروف مجهدة جسديًا وتغذويًا.
* أعدت إيلاف التقرير عن medical express. مصدر الدراسة: frontiersin