إيلاف من لندن: على بُعد 32 كيلومترًا فقط من صخب مراكش، حيث تختلط أصوات الباعة وروائح التوابل في ساحات المدينة العتيقة، يمتد وادي أوريكا كواحة خضراء تزخر بالهدوء والجمال الطبيعي.
يقع هذا الوادي الساحر عند سفوح جبال الأطلس الكبير، ويُعد ملاذًا مثاليًا للراغبين في استكشاف وجه آخر للمغرب بعيدًا عن الزحام.
من شرفة نُزل "Ourika Lodge" (أوريكا لودج)، يظهر نهر أوريكا وهو يشق طريقه بين بساتين النخيل وأشجار الزيتون.
في الصباح الباكر، تتناثر المناطيد الهوائية في سماء مراكش، مشكّلة مشهدًا بديعًا يذكّر بازدحام المدينة الذي يبدو بعيدًا هنا.
عبد الكريم أيت علي، مرشد محلي وصاحب النُزل، يستقبل الزوار بتقليد أمازيغي دافئ يتجسد في موائد الإفطار الغنية وشاي الميرمية العطري.
قاد عبد الكريم جولة استكشافية عبر المسارات الجبلية، حيث تنمو أشجار الخروب التي تحمل قرونًا بطعم الشوكولاتة، وتستخدم بذور السرو كنوع من "فلفل الفقراء"، بحسب الموروث الشعبي.
في عمق الوادي، لا تزال الخنازير البرية تتجول بحرية، وسط مؤشرات على عودة الذئاب الإفريقية إلى بعض المناطق النائية.
تعاني المنطقة من تحديات بيئية واضحة، أبرزها ندرة الثلوج في جبال توبقال خلال الأعوام الأخيرة، ما أثّر سلبًا على الزراعة التقليدية التي تعتمد بشكل رئيسي على مياه ذوبان الثلوج لري بساتين الفاكهة وأشجار الزيتون وحقول الزعفران.
حدائق ساحرة خارج حدود المدينة
لطالما اشتهرت مراكش بحدائقها الخلابة مثل "Jardin Majorelle" (حديقة ماجوريل)، إلا أن الحدائق المحيطة بوادي أوريكا تقدم تجربة مغايرة. حديقة "Anima Garden" (أنِيما)، التي أسسها الفنان النمساوي أندريه هيلر، تُعد نموذجًا ناجحًا لتحويل أرض قاحلة إلى متاهة خضراء من النباتات الاستوائية والمنحوتات الغامضة. إلى جانبها، تقع "Jardin du Safran" (حديقة الزعفران) التي تتيح للزوار فرصة التعرف إلى مراحل إنتاج الزعفران، المعروف بلقب "الذهب الأحمر".
من بين التجارب الفريدة، تبرز جلسات تذوق الشاي المحلي بنكهات متنوعة مثل الزعفران والزعتر والميرمية واللافندر والأفسنتين، مما يعكس ثراء التراث الأمازيغي في فنون الضيافة.
الأسواق القروية والآثار المنسية
تنتظم الأسواق القروية على امتداد الوادي بشكل يومي، وتشكل تجربة ثقافية مغايرة لأسواق مراكش. في قرية أغمات، تُعرض منتجات محلية وسط خلفية تاريخية غنية، إذ كانت هذه القرية عاصمة إقليمية حتى القرن الحادي عشر. بدأت أعمال التنقيب الأثري عام 2005، كاشفة عن حمامات تاريخية وقباب من الطوب كانت مأهولة لقرون.
رغم الزلزال الذي ضرب المنطقة في 8 أيلول (سبتمبر) 2023 بقوة 6.8 درجات وأودى بحياة قرابة 3000 شخص، حافظت معظم المواقع الأثرية في أغمات على سلامتها. أما قرية تفزا، فقد فقدت نحو نصف منازلها، مما أثر بشكل بالغ على مجتمع صناعة الفخار التقليدية.
في ورشة الخزّاف خالد بن يوسف، اكتُشفت لوحة حجرية منقوشة بالعبرية تعود إلى عام 1575، تحمل اسم عائلته، مما أعاد إحياء جانب من التاريخ متعدد الثقافات للمنطقة.
رحلة بين الشلالات ومسارات الطبيعة
تُعد شلالات ستي فاطمة السبعة من أبرز معالم وادي أوريكا الطبيعية. يكتفي معظم الزوار ببلوغ الشلال الأول قبل العودة إلى البلدة، إلا أن التقدّم عبر الممرات الجبلية يكشف عن مناظر طبيعية خلابة وشلالات متتابعة تؤدي إلى بحيرات صغيرة تصلح للسباحة أو التنزه.
على ضفاف الوادي، تنتشر المقاهي التقليدية بأجواء قروية مبهجة، حيث تُقدَّم أطباق الطاجين والتنجية المطهية على الجمر، وسط مشهد يجمع بين روعة الطبيعة وكرم الضيافة.
وادي أوريكا: سر مراكش المحفوظ
رغم قربه من المدينة، لا يزال وادي أوريكا يحتفظ بهويته الطبيعية والثقافية الأصيلة، مما يجعله واحدًا من الكنوز الخفية لعشاق السفر الباحثين عن تجارب أصيلة بعيدة عن المسارات السياحية المعتادة.
* أعدت إيلاف التقرير عن "الغارديان": المصدر