إيلاف من الرباط: منذ أولى دوراته، دأب المهرجان الدولي للفيلم بمراكش على تكريم أسماء كبرى في السينما العالمية. بمناسبة دورة هذه السنة، اختار المهرجان تكريم ثلاثة فنانين بارزين كان لإسهاماتهم الإبداعية، التي امتدت على عدة عقود، أثر كبير في المشهد السينمائي، يتعلق الأمر بالممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي، التي وافتها المنية مؤخرا والتي يخصها المهرجان بتكريم بعد الوفاة، والممثل والمخرج الأمريكي المتوج بجائزة الأوسكار شون بين، والمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ.
نعيمة المشرقي
ولدت نعيمة المشرقي بمدينة الدار البيضاء. وأبدت هذه الشخصية الرمزية في السينما والمسرح والتلفزيون في المغرب اهتمامها بالفنون المسرحية منذ صغرها، فجعلت من هذا الشغف مهنتها، بتشجيع من أقاربها.
في سنوات الستينيات والسبعينيات، عملت مع الطيب الصديقي، وانضمت إلى فرق مسرحية شهيرة أمثال فرقة المعمورة وفرقة الإذاعة الوطنية، مما مكنها من أن تحظى بالشهرة لدى الجمهور العريض. عملت بعد ذلك في السينما مع مخرجين كبار أمثال سهيل بن بركة (عرس الدم، 1977)، مومن السميحي (44 أو أسطورة الليل، 1981) ومصطفى الدرقاوي (أيام شهرزاد الجميلة، 1982). وفي سنة 1989، أعلن حضورها في فيلم "باديس"، الذي شكل علامة بارزة في السينما المغربية، عن بداية عملها مع محمد عبد الرحمان التازي، الذي صورت معه لاحقا ثلاثة أفلام هي "البحث عن زوج زوجتي" (1992)، والجزء الثاني منه "للا حبي" (1996) – الفلمان اللذان حققا نجاحا جماهيريا كبيرا – و "جارات أبي موسى" (2003)، الفيلم التاريخي الذي لعبت فيه دور ملكة ستبقى خالدة في الذاكرة. في سنة 1993، اكتشفت استوديوهات Cinecitta عندما قامت بتشخيص الدور الرئيسي في فيلم " المادة 2" للمخرج ماوريزيو زاكارو. وفي العام 2006، اختارها الممثل والمخرج الفرنسي المغربي رشدي زم لتلعب دور والدته في أول أفلامه "سوء النية" الذي حقق نجاحا كبيرا في فرنسا. في سنة 2020، لعبت نعيمة المشرقي دور البطولة في آخر أفلامها السينمائية "خريف التفاح" لمحمد مفتكر، الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد، وذلك بعد عشرين سنة على تتويجها بجائزة أفضل ممثلة في دور ثاني في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.
إلى جانب أدوارها السينمائية، تألقت نعيمة المشرقي أيضا في التلفزيون المغربي، حيث قامت بتشخيص أدوار متنوعة في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، مؤكدة بذلك شعبيتها الخارقة.
بقلب يغمره الجود والالتزام، أسهمت نعيمة المشرقي في العديد من الأعمال الخيرية والقضايا الإنسانية، فكانت لفترة طويلة سفيرة للنوايا الحسنة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وعضو المرصد الوطني لحقوق الطفل.
شون بين
أصبح شون بين، الممثل والمخرج والمؤلف المتوج مرتين بجائزة الأوسكار، أحد الرموز الأمريكية بفضل مسار مهني امتد لما يزيد عن أربعة عقود. ترشح لنيل جائزة أوسكار أفضل ممثل خمس مرات عن أدواره في أفلام "الميت الذي يمشي" (تيم روبينز، 1995)، "لطيف ومنحط" (وودي آلن، 2000)، "أنا سام" (جيسي نيلسون، 2002)، قبل أن يحظى عن أدائه الرائع في فيلم كلينت إيستوود "نهر غامض" بأول أوسكار لأفضل ممثل سنة 2003، تلتها جائزة أوسكار ثانية نالها عن دوره في فيلم "هارفي ميلك" لجوس فان سانت سنة 2009. كما فاز بجائزة أفضل ممثل في مهرجان كان سنة 1997 عن دوره في فيلم "إنها جميلة جدا" لنيك كاسافيتس.
موازاة مع مشواره الفني في التمثيل، شون بين هو أيضا مخرج سينمائي، حيث تشمل فيلموغرافيته مجموعة من الأعمال السينمائية الشهيرة مثل "إلى البرية"، " يوم العلم"، "الوعد"، " حارس المعبر " وفيلمه الأول " العداء الهندي".
في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب هايتي في يناير 2010، أسس شون بين جمعية غير ربحية للإغاثة الطارئة سُميت "منظمة ج/ب لإغاثة هايتي"، والتي أعيد تسميتها لاحقا بمنظمة جهود الإغاثة المجتمعية، وهي تواصل تقديم المساعدات الفورية للمجتمعات المهمشة عبر العالم.
ديفيد كروننبرغ
ترسخت مكانة ديفيد كروننبرغ باعتباره مؤلفا حقيقيا من خلال عمله المتفرد والشخصي الذي أنتجه كمخرج وسيناريست. منذ بداياته الأولى في سينما الأندرجرواند وأفلام الرعب، قام بتطوير أعمال درامية ذات عمق ونطاق كبيرين، مما أكسبه شهرة دولية كواحد من أكثر المخرجين تأثيرا في العالم. حظيت أفلامه باستحسان كبير من لدن النقاد، وباعتراف على الصعيد الدولي. في سنة 1991، تم اختيار فيلمه "الغذاء العاري" للمشاركة في مهرجان برلين، وفي سنة 1999، فاز "إكزیستنز" بجائزة الدب الفضي.
شاركت أفلامه "اصطدام"، "العنكبوت"، "تاريخ من العنف"، "المدينة العالمية"، "خرائط النجوم"، "جرائم المستقبل" و" الأكفان" في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، حيث فاز "اصطدام" بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. في سنة 2006، مُنح من قبل فقرة "أسبوعي المخرجين" بمهرجان كان جائزة "العربة الذهبية" تقديرا لمساره السينمائي المتميز.
وفي عام 2018، خصه مهرجان البندقية السينمائي الدولي بجائزة الأسد الذهبي عن مجمل أعماله، كما حظي سنة 2024، من مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، بجائزة نورمان جويسون عن كامل مساره المهني. اعترافا بإسهاماته المتميزة في الفن والثقافة، حظي ديفيد كروننبرغ بوسام كندا من رتبة رفيق، ووسام جوقة الشرف الفرنسي.