من البديهيات التي تحتمها القراءة للسياسية الأميركية، هو الاعتراف بطبيعة التغيير في منهج الإدارة الجديدة ورؤيتها للمستقبل، والتطلعات التي يسعى إليها الرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط عموماً ودول مجلس التعاون الخليجي بوجه خاص من دون استثناء إسرائيل من الموازين الدولية.
البديهيات تفرض قراءة كويتية استثنائية، ومسبقة لتطلعات وسياسات الرئيس ترامب بشأن مسألة التطبيع مع إسرائيل، فالرئيس الجديد له اجندة دقيقة، وأولويات محددة منها حسم مسألة التطبيع بين دول التعاون الخليجي والحليف الإسرائيلي لواشنطن وتحيق السلام بالشرق الأوسط بمفهوم "الترامبية".
المشهد الأمريكي الجديد، بات واضحاً بمنهجه غير الدبلوماسي في ضوء دراما الإثارة والتشويق التي صاحبت اللقاء بين الرئيس ترامب والرئيس زيلينسكي، فقد خرج المشهد عن التقاليد والاعراف الدبلوماسية بإقحام وسائل الإعلام في نقل المصارعة السياسية الحرة في البيت الأبيض ومشاهدتها!
الرئيس ترامب، من الأرجح، ضد التعطيل والتأجيل للأجندة الأميركية وأي مراوغة بالنسبة لمسألة التطبيع أو رفضها بحجج دبلوماسية وسياسية، ولا القبول بمساومات أو مهادنة حتى لو المقابل ضخ استثمارات خليجية أو كويتية بصفة خاصة في أمريكا.
فنهج الرئيس ترامب فرض قواعد أمريكا العظمي على الجميع بما في ذلك المنظمات الدولية التي تخرج عن طاعة واشنطن، من دون استثناء الاتحاد الأوروبي، ولا ينبغي نكران المشهد السياسي الدولي الجديد خصوصا من أنظمة هشة أو قابلة للكسر بسرعة فائقة.
محاور النقاش والمفاوضات والمحادثات والمفاتيح لم تعد خلف الستار أو وراء أبواب مغلقة، فجميع الكروت أصبحت على الطاولة أمام الصحافة ووسائل الإعلام بما في ذلك لغة التوبيخ والتهديد والوعيد، وقسوة التعبير والانتقاد، والمساومات والمطالبات على المكشوف!
ما حدث أمام وسائل الإعلام في تناوب الرئيس ترامب ونائبه فانس على توجيه ضربات موجعة للرئيس زيلينسكي بلغة يجدها البعض أشبه بالمهزلة أو شاذة دبلوماسياً في حين يستحسنها فريق أخر يرجح الحسم في ليلة الزفاف، أي الاتفاق والفرح أو الانتصار والهزيمة!
في موازين اليوم، أصبحت الإدارة الأمريكية متحكمة في قواعد اللعبة الدولية، أو هكذا يطمح إليه الرئيس ترامب، وفي كل الأحوال نحن أمام مشهد وتطورات جديدة تستوجب مناقشة كافة الاحتمالات عن مسألة التطبيع بوجه خاص، ومراجعة الخيارات المتاحة والممكنة.
في أجواء بعيدة عن صخب الانفعالات ضد المواقف الأميركية، والقاموس العربي التقليدي، أثارت استفهامات بريطانية اثناء مناقشات مغلقة في العاصمة لندن في العام 2024 عن الكويت وقبل فوز ترامب بالرئاسة؛ هل لدى الكويت سيناريو أو تصور للتعامل مع مسألة التطبيع؟
القراءة البريطانية والعربية للنخب السياسية والاعلامية، رجحت استواء "طبخة" ترامب ومكوناتها بالنسبة لفرض التطبيع على الكويت بصفة خاصة باعتبارها الدولة التي كثيرا ما بررت عدم الموافقة بحجة عدم موافقة مجلس الأمة أو ضرورة موافقة المجلس على القوانين والاتفاقيات.
الواقع أن "طبخة" الرئيس ترامب بالنسبة للتطبيع معروفة مكوناتها وسخونتها قبل الرئاسة، و"الطبخة الترامبية" خالية من سموم المجاملة والهموم الدبلوماسية بحسب ميزان التحالف بين أمريكا وإسرائيل، فالهزيمة والخسارة ليست من بديهيات سياسة ترامب بالنسبة للتطبيع في منطقة الخليج العربي!
ورقة مجلس الأمة لم تعد فاعلة ولها سحرها السياسي خارج الكويت كما كانت عليه قبل حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور في العام 2024، لذلك ينحصر المشهد بموعد قطف ثمار "الطبخة" وليس تذوقها، فهي ليس من الخيارات الأميركية المطروحة.
لا أعرف ما هو الرأي الرسمي الكويتي من مسألة التطبيع التي باتت مقبولة من معظم دول مجلس التعاون الخليجي بشرط حل الدولتين، ولا أدري إذا الكويت ستلجأ إلى حجة مجلس الأمة في غيابه!
بالنسبة لطبخة التطبيع "الترامبية"، نلاحظ رواج مائدة التطبيع الأميركية وتذوق اجباري لطبخة الرئيس ترامب التي ستحصد، بالتأكيد، تأييد أوروبا والمؤسسات المتحكمة في القرار الدولي بشأن مسألة التطبيع، وهو ما يقتضي التحليل والتفكير المسبق قبل انتظار الجلوس على مائدة التطبيع الأميركية.
مناقشة الاحتمالات الأميركية عن مسألة التطبيع مع إسرائيل، ومراجعة الخيارات مسبقاً، أفضل من انتظار الجلوس على مائدة التطبيع، لكي يكون الحق لنا وليس علينا.
*إعلامي كويتي