: آخر تحديث

ترجل الفارس العربي الإسلامي

4
4
3

حديثنا اليوم عن السيد أحمد غزالي، رئيس الوزراء السابق في الجزائر ورئيس لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإيرانية. ونحن في شهر رمضان، الذي كانت تعقد فيه لجنة التضامن العربي الإسلامي أمسيات رمضانية تحت رئاسة سيد أحمد غزالي.

لنستعرض سويًا السجل السياسي والوطني لهذا الرجل العظيم، وما قدمه لوطنه الجزائر. فهو من الجيل الأول من ثوار الجزائر، وقد كان في صفوف الثورة كطالب ناشط يسعى لاستقلال بلاده. بعد انتصار الثورة الجزائرية، كرس جهوده لخدمة شعبه، واحتل مناصب حكومية حساسة في حكومات أحمد بن بلة، هواري بومدين، الشاذلي بن جديد، ومحمد بوضياف، حيث أدى واجباته بإخلاص وتفانٍ.

على مدار ثلاثين عامًا، كان في قمة هرم السلطة في الجزائر، حيث تولى وزارات مختلفة مثل مستشار وزير الاقتصاد، وزير الطاقة والصناعات البتروكيماوية، وزير المياه، وزير الاقتصاد، ووزارة الخارجية، وصولًا إلى رئاسة الحكومة في أكثر الفترات حرجة في تاريخ الجزائر بين عامي 1991 و1992. كما شغل منصب سفير بلاده وممثلها في الاتحاد الأوروبي ومن ثم في فرنسا. ولكن ربما كان أبرز إنجازاته هو رئاسته لشركة سوناطراك لمدة 12 عامًا، والتي تعتبر الشركة الوطنية للنفط والغاز في الجزائر وتعد عماد الاقتصاد الوطني.

لقد كان لي الشرف أن أكون قريبًا من هذا الرجل العظيم في العشرين عامًا الأخيرة من حياته، وتعلمت الكثير منه. أود أن أشهد أنه لم يستفد شخصيًا من أي من تلك المناصب الحساسة. خلال سنوات معرفتي به، وجدته مثالًا حيًا على ما قاله الإمام علي بن أبي طالب عن عباد الله المخلصين: "اسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ".

إقرأ أيضاً: سقوط نظام ولایة‌ الفقیه وارد جداً

تعرفت عليه في عام 2004، خلال الذكرى السنوية الأولى للاعتداء الوحشي من الشرطة‌ الفرنسية على مراكز المقاومة الإيرانية في باريس. كنا نسعى لتنظيم اجتماع كبير للاحتجاج على هذا العمل غير القانوني الذي تم تنفيذه لاسترضاء الملالي الحاكمين في إيران. اتصلت به وأخبرته بالأمر، وأضفت أننا نرغب في أن تشاركنا في هذا البرنامج وتكون معنا. فأجاب بكلمة واحدة: "موافق". واستمر هذا التوافق حتى آخر أيام حياته المباركة.

على مدى السنوات، قدم وقته وتجربته الغنية في خدمة المقاومة الإيرانية ومجاهدي خلق. كان يؤمن ويقول ويكتب أن في العالم الإسلامي، لا يوجد بديل ديمقراطي مسلم إلا في بلد واحد – إيران – وأن هذا البديل ينبغي أن يحظى بدعم كل إنسان حر. وعندما كنا نشكره على جهوده، كان يقول: "شكرًا لا تعني شيئًا، أنا أعمل لنفسي، وأعتبر هذا الطريق خدمة لقضيتي".

على مرّ السنوات، أجرى مئات اللقاءات مع شخصيات أوروبية وعربية ودولية، وألقى عشرات المحاضرات في مناسبات المقاومة الإيرانية. أنتج ونشر مئات المقالات والكتابات في هذا المجال.

إقرأ أيضاً: الطلاب وجدوا موقعهم التاریخي في الثورة الإیرانیة الجدیدة‌

في اللقاءات التي حضرناها مع الدبلوماسيين والشخصيات السياسية، كان يدافع عن حقانية مجاهدي خلق وكأنما يدافع عن تنظيمه الخاص. كتب حوالي ثلاثين مقالًا في صحف الشرق الأوسط، الحياة، والعرب، لشرح مواقف مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، مما يستحق أن يُجمع في كتاب.

لقد كان السيد أحمد غزالي ناشطًا فاعلًا في جميع حملات المقاومة الإيرانية. في حملة مواجهة إدراج مجاهدي خلق على قوائم الإرهاب، لم يعرف الكلل أو الملل، بل التقى بسفراء معظم الدول الأوروبية في بروكسل ليقنعهم بضرورة إزالة اسم المجاهدين من تلك القائمة السوداء. وواصل النقاش مع المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، حيث عقد لقاءً مثمرًا مع فرانكو فراتيني، وزير الخارجية الإيطالي السابق ورئيس لجنة الأمن الأوروبية.

وفي حملة دعم حقوق المجاهدين في أشرف بالعراق، لم يكن يتوانى عن القيام بأي نشاط. من اللقاءات مع المسؤولين الأميركيين والأمم المتحدة إلى حضوره في تجمعات مؤيدي المجاهدين الذين اعتصموا في جنيف أو مدن أخرى احتجاجًا على مجازر المجاهدين في أشرف. وفي تلك الأثناء، أسرع لزيارة السيد أنطونيو غوتيريس، الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، الذي كان آنذاك المفوض السامي لشؤون اللاجئين.

إقرأ أيضاً: هل یأمر خامنئي‌ بمزید من الإعدامات؟

في الأيام الأخيرة من حياته المليئة بالعطاء والخير، حيث كان يعاني بشدة من سرطان الرئة وكان يتلقى العلاج في بروكسل، زرته وشاهدت أنه رغم التعب الجسدي الشديد، إلا أنه كان يحتفظ بروح عالية وعقلٍ متقدٍ، يكرر مواقفه الثابتة.

من المؤكد أن الأنشطة المخلصة للسيد غزالي لا يمكن حصرها في مقال واحد. بعد عدة سنوات من معرفتنا به، اكتشفنا أنه كان صديقًا حميمًا لكلود شيسون، وزير الخارجية في حكومة فرانسوا ميتران، وأن شيسون قد نصحه بالذهاب لرؤية ما تقوله مجاهدي خلق حول إيران.

كان هو الشخص الذي دعا الأمير تركي الفيصل إلى المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية في عام 2016. وفي العام التالي، أطلق الأمير تركي في لقاء خاص على السيد أحمد غزالي لقب "فخر الإسلام والعرب".

إقرأ أيضاً: سقوط بشار الأسد: ما معنى ذلك لخامنئي؟

إنَّ الحقيقة في عالمنا اليوم هي أنَّ شخصيات مثل السيد غزالي نادرة، فهي تتمتع بخبرة غنية وواسعة، وتظهر استعدادًا كبيرًا لمشاركة تجاربها بسخاء وبدون انتظار لأي مقابل مع الآخرين الذين يسيرون على نفس الدرب. إنه تجسيد للإنسانية والأخلاق والصدق، أو بعبارة أبسط، هو مسلم حقيقي. رحم الله تعالى روحك، وجمعك مع من أحببت.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف