: آخر تحديث

لماذا الموصل؟

11
11
8

لطالما كانت الموصل اسمًا على مسمى، حلقة وصل وتمازج بين مختلف مكونات لوحة العراق الموزاييكية المعبرة عن تعددية هذا البلد، وتنوعه الثقافي والقومي والديني والطائفي.

فالموصل لم تكن في يوم من الأيام أحادية الهوية، بل طوال تاريخها الضارب في القدم شكلت عراقًا مصغرًا ومدينة مركبة الهوية ومتعددة تعدد أطياف اللون العراقي الجميل، ولتشكل بذلك إحدى الحواضر المدنية الكبرى عبر التاريخ الإنساني، ولهذا لا ينبغي طمس ألوان قوس القزح هذا، وهو ما ثبت فشله خلال حقبة احتلال تنظيم داعش وبقية الجماعات الإرهابية لها، والتي أرادت إسباغ لونها الأسود على المدينة التي لم تخترها تلك المنظمات عبثًا، بل لمعرفتها بمدى أهمية ورمزية الموصل داخل العراق وخارجه.

هذا ما كشفته خاصة مجازر الإبادة الجماعية بحق أبنائها الإيزيديين في شنگال والمسيحيين في سهل نينوى على يد الدواعش، والتي مثلت محاولة لإبادة الموصل ككل معنى ومبنى، وشكلت استهدافًا للموصليين جميعهم الذين وقعوا ضحية تسلط إرهاب داعش.

ومعروف دور الموصل في محيط العراق ودول جواره، وخاصة سوريا، حيث التداخل العشائري والثقافي الكبير، وهو ما ظهر جليًا من خلال استقبال الموصل واحتضانها لعشرات آلاف اللاجئين والهاربين، عربًا وكردًا، من جحيم الحرب السورية على مدى أكثر من عقد من السنين.

ولهذا كله، فالدفاع عن روح الموصل وعن ثقافة التعايش والتآلف والتسامح بين الموصليين، مهمة حيوية ووجودية للحفاظ على وحدة العراق وتماسكه، على قاعدة التنوع وقبول الآخر، وحتى تكون الموصل منصة لاستقطاب القرار الوطني العراقي السليم والعقلاني الذي يعكس إرادة ومصالح جميع العراقيين على قدم المساواة، دونما تمييز بين مكون على حساب آخر.

فالموصل بموقعها الجيوسياسي الهام والبالغ الحساسية، وعراقتها المرتكزة على هويتها المتنوعة الجامعة، والتي لطالما كانت مدينة عامرة بالحياة والتجارة والثقافة والسياحة لما تتمتع به من مقومات وطاقات جبارة بشرية وطبيعية وروحية، والتي هي مدينة الأنبياء والمصلحين، ولهذا لا يمكن لأية قوة نسف كل هذا العمق الحضاري المديد وطمس أطياف الموصل واختزالها في طيف واحد.

وهي بهذا المعنى تمثل روح العراق التعددي الاتحادي وكينونته وسر بقائه موحدًا حتى الآن، وعليه يتعين على من يتصدى للحديث باسم الموصل وأهلها الارتقاء بأفكاره وممارساته إلى سوية تمثيل هذه الحقيقة وتجسيدها.

إنَّها الموصل العصية على الانسياق وراء نزعات عنصرية أو طائفية مقيتة وقصيرة النظر، المدينة التي تختزل ماضي العراق ومستقبله، والقوية بناسها ومكوناتها وبعشائرها وتجارها ومثقفيها وفنانيها، حيث لا ننسى كيف أن عشائر الموصل الأصيلة الكريمة رفضت الرضوخ لمحاولات نظام البعث البائد في أوج قوته وبطشه فرض الوصاية عليها.

وهي رهان وطنيتنا العراقية ومحكها، ولهذا نحن في الاتحاد الوطني الكردستاني، كما كان ديدنه، لن نتوانى عن العمل على تحقيق أهداف كافة أبناء ومكونات الموصل العزيزة في الارتقاء بمحافظتهم، وخدمتها وتطويرها على مختلف الصعد بما يتناسب مع أهميتها ومكانتها في الوجدان العراقي العام.

وهو سيواظب على لعب دوره البناء، ودوما تحت هدي سياسة "شدة الورد" للرئيس مام جلال، كما فعل في محافظة كركوك مؤخرًا عبر الحرص على التوافق والتعايش والتشارك بين مختلف الموصليين، بعربهم وكردهم ومسيحييهم ومن مختلف المكونات، وإتاحة المجال أمامهم لإدارة شؤونهم والاتفاق فيما بينهم دون وصايات ولا تدخلات، كونهم جميعهم حريصون على مصلحة الموصل ومستقبلها المشرق، والذي هو حجر أساس غد عراقي واعد زاهر.

وسنواصل من هذا المنطلق الثابت العمل على توحيد الصفوف في الموصل ورصها، عبر تغليب المصالح العليا المشتركة للعراقيين كافة، ذلك أن تعزيز قيم وممارسات الشراكة والتوافق والتفاهم يسهم في تحقيق أهدافنا القومية الكردية والوطنية في عراق فيدرالي ديمقراطي ومستقر، متصالح مع نفسه ومع محيطه والعالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف