الأنظمة القومجية والإسلاموية ومعها الأنظمة القمعية والاستبدادية هي بنظري من أغبى أنظمة الحكم التي عرفها التاريخ البشري. وهناك عشرات الأمثلة على فشل هذه الأنظمة في إدارة البلدان وتحقيق الحياة الكريمة لشعوبها رغم الشعارات البراقة لهذه الأنظمة بالتغيير الثوري وبناء نهضة الوطن.
ولعل التركيز الأكبر لوجود مثل هذه الحكومات هو في منطقتنا الشرق الأوسطية، وبالدرجة الأولى في الدول العربية تحديداً. ففيما عدا إيران التي تدخل ضمن قائمة الأنظمة الإسلاموية الفاشلة مثل نظام أفغانستان الطالباني، والسودان الترابي، وتونس الغنوشي، ومصر الإخواني، ينضم إلى قائمة الفشل أيضاً كل من مصر الناصرية والعراق وسوريا البعثيتين.
لنبدأ من إيران. فمع انتصار الثورة الإسلامية في إيران وسقوط نظام الشاه الاستبدادي، رحبت شعوب إيران بالحكم الجديد يحدوها الأمل بتغيير أوضاع البلد من خلال حكم إسلامي قائم على العدل والمساواة وتحقيق حياة حرة شريفة للمواطنين، ولكن لم يكد الخميني يجلس على سجادة الحكم حتى خطط وأفتى وحض على تصدير ثورته الإسلامية إلى أرجاء المنطقة بهدف إنشاء إمبراطورية شيعية لا تختلف في توجهاتها كثيراً عن توجهات الإمبراطورية الصفوية المندثرة. فشل الخميني ومات دون أن يحقق هذا الهدف. فتوجه خلفه خامنئي إلى دعم الحركات الإرهابية الإسلامية بمليارات الدولارات تحت يافطة تحرير القدس ومواجهة الكيان الصهيوني. وكانت هذه الأموال تستقطع من أفواه أطفال إيران لتذهب إلى جيوب "مقاومين" يقيمون في فنادق الخمسة نجوم بدول بعيدة جداً عن حدود إسرائيل! وكانت النتيجة كما رأينا انقراض هذه الحركات ومسح وجودها من على وجه الأرض. فذهبت كل مليارات خامنئي إلى أدراج الرياح، منها ستين مليار دولار صرفها النظام الإيراني لحماية نظام الدكتاتور بشار الأسد الذي فر بجلده إلى روسيا، وعادت إيران من سوريا بخفي حنين.
إقرأ أيضاً: جدران صيدنايا
وقد فعل القذافي نفس الشيء حين أغدق بمليارات دولارات ليبيا لدعم "حركات التحرر العالمي" حتى في أميركا اللاتينية، والتي فشلت بمجملها في تحرير تلك الشعوب في أي دولة لاتينية!
وفعل قبله صدام حسين حين أغدق بالملايين على منظمات فلسطينية في لبنان والأردن وسوريا وغيرها لتحارب بعضها البعض.
فماذا كانت نتيجة كل هذا الغباء السياسي في تصدير شعارات الثورات الإسلامية والقومية؟
انزوت إيران وانكفأت على نفسها تجر أذيال الخيبة والخذلان بعد سنوات طويلة من تجويع شعبها وانهيار اقتصادها! وذهب القذافي مقبوراً وبلده يتمزق حتى الآن بسبب الحرب بين الرفاق! أما مصير صدام وبشار فبات معروفاً، فقد ذهبوا بعائلاتهم وحزبيهم البعثيين إلى جهنم وبئس المصير.
إقرأ أيضاً: إسرائيل والمقاومة
أنا لا أعرف لماذا تصر دولة مثل إيران على صرف مليارات الدولارات على منظمات هي تعرف تماماً بأنها لا تستطيع أن تهزم إسرائيل أو تحرر شبراً من أرض فلسطين؟! لماذا لم تكرس كل هذه الأموال لإشباع مواطنيها وبناء دولتها بدل كل هذا العداء العبثي لأميركا؟! وماذا يفيد إيران حتى لو امتلكت قنبلة نووية، التي تصرف عليها اليوم مليارات أخرى في مواجهتها مع أميركا؟! هذه روسيا والصين، وهما عدوتان لدودتان لأميركا، وتمتلكان مئات القنابل النووية، فبماذا تنفعهم هذه القنابل في محاربتهما ضد أميركا؟
ماذا جنى النظامان البعثيان في سوريا والعراق من دعم الأحزاب والمنظمات المعادية لإسرائيل؟! لماذا صرفوا كل هذه الأموال من أقوات شعوبهم في مسألة يعرفون سلفاً بأنها لن تأتي بأية نتيجة؟! ماذا لو صرفوا أموال البلد في بناء مدرسة أو مستشفى أو تبليط شارع أو تنظيف مجاري الصرف الصحي، ألم يكن ذلك أجدى لشعوبهم وأبقى لنظامهم؟
إلى متى لا تستفيد الأنظمة القومجية والإسلاموية من دروس الماضي وتكف عن التدخل في شؤون الآخرين وتنصرف إلى تصليح أحوال شعوبها في الداخل بدل تصدير غبائها للخارج؟