الهوية الوطنية أصبحت قضية اليوم في الكويت، فقرارات سحب وفقد الجنسية، والترتيبات الخاصة بنساء المادة الثامنة تحقيقاً لعدالة اجتماعية، وعدم إثارة الغضب، والكره، والضغينة، بين أفراد المجتمع الواحد، وكذلك بين الحكومة والمعنيين أو الأطراف المتضررة من تلك القرارات والسياسات.
ليس من اليسير هضم ملف المادة الثامنة، فهذا الملف ليس كملف التزوير، والتدليس في الحصول على الجنسية الكويتية نتيجة مساومات وصفقات سياسية، فالفارق كبير والضرر أكبر مما نتصور بشأن ملف المادة الثامنة الخاصة بالنساء المتزوجين من مواطنين كويتيين.
في دولة هجرات كالكويت، ومجتمع صغير، وفي بلد تئن من العصبيات الاجتماعية، والحلول الضائعة للهوية الوطنية، تبرز بشكل ملح أهمية انصهار الفوارق الاجتماعية، ومعالجة حالة التجاذب الطبقية تحت سقف هوية وطنية جامعة، وليس انقسامات تفتت المجتمع إلى فئات وشرائح متصارعة!
الهوية الوطنية تحتاج إلى تدخل بشري من قبل الحكومة خارج العمل النمطي والانتقائي وصرامة نصوص القرارات التي يمكن أن تفجر خلافات وصراعات واعمال انتقامية على المستوى الاجتماعي والسياسي، وهو أم غير محبذ إذا كنا ننشد وحدة الصف، وتعريف جامع للهوية الوطنية.
الانصهار في هوية وطنية جامعة ليست خيارات شرائح، وفئات المجتمع، ولا مهمة الشعب في تحقيقها، فعميلة الانصهار تحتم وجود خطط حكومية تعالج هذه الثغرات، والفجوات، وتقرب الناس من بعضها، وترسخ قواعد ومبادئ وقيم الانتماء، والاندماج، والتآخي، والتسامح، وتذيب الانقسامات والعصبيات.
قضيتنا اليوم...قضية المحافظة على وحدة الصف الاجتماعي، والتصدي لنزعات الانقسام وقولبة الرأي العام ضد أطياف المجتمع أو الحكومة ككل، ولا يمكن تحقيق كل ذلك أو بعضه من خلال قوانين صارمة، ولا بفرض قرارات قاسية لا تراعي ظروف استثنائية وانتقائية.
فإذابة الفروقات والانقسامات ومعالجة الآثار النفسية والاجتماعية للمتضررين من سحب الجناسي لاسيما حالات المادة الثامنة التي تمس شريحة كبيرة من النساء تحتاج إلى نظرة إنسانية واجتماعية متأنية وحانية.
الديمقراطية، دون أدني شك، حققت مكاسب وقيم اجتماعية وسياسية وثقافية، على مبادئ وقواعد دستورية وهذا بحد ذاته مكسب للدول والمجتمعات التي تتطلع إلى النهوض والازدهار، والنمو، والوحدة الوطنية.
الروح الرياضية والفرح الذي ساد الكويت بمشاركة شعوب خليجية تزامناً مع مباريات "خليجي 26" لا ينبغي أن تكون مبادرة يتيمة، ولا فعالية وحيدة، فثمة العديد من الفرص التي يمكن استثمارها وتطوريها.
وثمة العديد من الخيارات والمجالات والميادين التي يمكن استثمارها في إشاعة المودة والتقارب والبهجة والرضا حتى نتمكن حكومة وشعباً من تحقيق ما يتفق عليه الجميع أو الأغلبية حول ما يذيب الفروقات والصراعات العرقية والنزاعات الدينية.
التحديات يمكن تلخيصها في محور مهم للغاية، وهو إننا بحاجة ملحة لتقوية وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة حتى بين نساء المادة الثامنة والأبناء والاحفاد، حتى لا تتعمق هوة الخلافات والصراعات والانقسامات، فالعدالة الاجتماعية لا ينبغي أن تغيب عن بصيرة القرار الحكومي.
نأمل، ونتمنى أن تتبني الحكومة مشروع هوية وطنية جامعة، وتعريف موضوعي وعلمي حتى لا تصبح الكويت موطن حقائق مرة وواقع قبيح!
*إعلامي كويتي