حرصت على استثمار علاقاتي المهنية منذ العام 2000 حتى اليوم مع مصادر القرار والتحليل، ومراكز البحث البريطانية، كلما زرت العاصمة لندن وتخصيص جزء من السياحة البدنية لعصف ذهني مع النخب البريطانية من برلمانيين وسياسيين وباحثين وإعلاميين ومؤسسات أكاديمية شتى.
العصف الذهني الذي حرصت عليه في العام 2024 تحول إلى قصف من الاستفهامات البريطانية اثناء لقاءات وحلقات نقاشية مغلقة، فقد ركز معظم الحضور على الأسباب التي قادت إلى تعليق بعض مواد الدستور وحل مجلس الأمة في 10 مايو 2024!
العمل الوطني ليس فيه ربح وخسارة، أو انتصار وهزيمة، وفيه نضال وصلابة، وحكمة وشجاعة، فالانتصار يشمل الوطن والمواطن والنظام السياسي، والدستور والديمقراطية التي جاءت نتيجة مبايعة دستورية لأسرة الصباح الكريمة.
أعود للقصف الذهني، والاستفهام الدقيق والمكثف من النخب البريطانية عن الديمقراطية في الكويت ودستور الدولة ومواده الثرية التي كانت محور نقاشات مغلقة ولقاءات محدودة الحضور، لكن الأهمية السياسية والمسؤولية الوطنية تحتمل مساحة الرأي دون الإخلال في قواعد النقاش والنشر.
تعمدت الاستماع أكثر من الحديث والتعليق، فموضع النقاش كان حساساً للغاية لذلك تعمدت أيضاً عدم الخوض في المحظور السياسي بالرغم من بيئة حرية الرأي في بريطانيا، فسمعة الكويت أهم من بطولة تجاوزها، كما يحرص غيري كثر من المخلصين من الكويتيين.
الاستفهامات البريطانية ركزت على موضوعات شتى لعل أبرزها أسباب حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور، والحديث المباشر الذي وجهه صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد حفظه الله ورعاه بصفته وليا للعهد في 22 يونيو 2022 نيابة عن الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد.
تطرق البعض من الحضور البريطاني لحديث سمو الأمير عن "لن نحيد عن الدستور ولن نقوم بتعديله ولا تنقيحه ولا تعطيله ولا تعليقه ولا حتى المساس به حيث سيكون في حرز مكنون فهو شرعية الحكم وضمان بقاءه".
وثار الاستفهام الأهم والمهم عن الظروف والمستجدات السياسية التي قادت إلى التغيير وتعليق بعض مواد الدستور وحل مجلس الأمة في 10 مايو 2024 بعد خطاب 22 يونيو 2022؟!
تفهم المشاركون البريطانيون في النقاش المحظور السياسي وحساسية الموضوع، وقدروا اعفائي من التعليق على ظروف حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور، وأنا شاكر لهم تلك المبادرة.
بعد ذلك، جاء استفهام أخر لا يقل أهمية وغير متوقع عن "احتجاز" نائب سابق في مطار الكويت وإجراءات أمنية حالت دون دخوله الكويت، والمقصود هو النائب السابق شعيب المويزري.
اخترت دبلوماسية التعليق، بأنني غير ملم بالتفاصيل لأنني خارج الكويت حينها، ولا أملك التفاصيل سوى المتداول في وسائل التواصل الاجتماعي، فالواجب الوطني يحتم حكمة المحافظة على سمعة الكويت، فنحن شركاء في تفادي ما قد يضر بمصلحة الدولة وسمعتها الدولية.
كان الحضور البريطاني، البعض طبعاً، ملم ومتابع دقيق للوضع في الكويت، فقد ثارت أسئلة أخرى عن مدى صحة تجميد حسابات مصرفية للمواطنين الكويتيين الذين لم ينفذوا البصمة البيومترية؟!
التزمت الصمت، وتعمدت مجدداً اختيار الاستماع وعدم التعليق، فالحقيقة أنني لا أملك التفاصيل ولا البيانات وغير ملم بتفاصيل القرارات ذات الصلة، لكن تمنيت لو كانت البيانات والمعلومات متاحة حتى أستطيع شرح الجانب السياسي!
وتطرق الحوار لسحب الجناسي وملف البدون، وكنت صريحاً في الرد بأن الحكومة قصرت في ملف البدون منذ عقود، واتفقت مع الرأي عن التعقيدات الاجتماعية لسحب الجناسي في ظل عدم محاسبة قانونية وسياسية لمن ساهم بالتزوير وسهل الازدواجية!
طمأنت الحضور البريطاني بأن نضال الأجداد حاضر في وجدان كل كويتي وقيمة دستور 1962 غير قابلة للمناقشة ولا التنازل، فقد حسمت المبايعة الدستورية لأسرة الصباح الحاكمة كل الاستفهامات والقلق، وكذلك تجديد -مجازاً- المبايعة اثناء الغزو العراقي في مؤتمر جدة الشعبي.
تمنيت وكم تمنيت لو انصب التركيز على الذكرى ال62 لصدور الدستور في 11 نوفمبر، وتمنيت الحديث عن المكتسبات الدستورية، لكن الظروف الحكومية قصرت في مثل هذه المناسبات، لأنها تخشى كما يبدو استحضارها دون مبرر موضوعي وتاريخي!
أتمنى أن تستفيد الجهات الرسمية من محاور الاهتمام والنقاش البريطاني في وضع الكويت ومستجداته لتحليل ما غاب عن دائرة الاهتمام الحكومي، فالديمقراطية قضية مهمة في الغرب والتجربة الكويتية طغت على استنفار واستفهام سياسي وإعلامي بريطاني.
*إعلامي كويتي