تقول الحكمة إنَّ العالم يشك والجاهل يؤكد.
ويقول الإمام علي ما جادلت عالماً إلا وغلبته، ولا جادلني جاهل إلا وغلبني.
لأنَّ العالم يلجأ الى المنطق ويحكم العقل في كل ما يسمع ويقرأ ويرى، حيث يدرك بعقله أنَّ الحواس خادعة في انطباعاتها الأوليَّة، ولا بدَّ من التأمل والتفكر بعيداً عن أخذ المسلمات كحقيقة مطلقة، بينما يتلقى الجاهل معرفته عبر التلقي، مما يجعله يؤكد حقيقة ما يعرف كي يريح عقله دون تفكر أو تأمل.
وقد يتلقى الجاهل جهلاً ويعتقد أنه علم، ويتلقى قبحاً ويعتقد أنه جمال.. ويعتنق الكراهية ويعتقد أنها طريقه نحو الجنة!
فلو صدقنا الإنطباع الأولي لحاسة البصر مثلاً في رؤيتها شكل القمر في الفضاء، لاعتقدنا أنه مجرد قرص صغير كرغيف خبز، لكنَّ العقل عندما أبحر في حقيقة القمر وجده كوكباً كبيراً، ثم ذهب إليه وهبط على سطحه.
وهكذا، ما نعتقده عن النملة والنحلة ككائنات صغيرة جداً حسب رؤيتنا البصرية لها، لكنَّ العقل وعبر أدوات العلم اكتشف أن تلك الكائنات الصغيرة قادرة على القيام بأعمال هندسية عظيمة.
فلو لم يشك العالم في حقيقة حجم القمر الذي نراه قرصاً صغيراً، لما ذهب بعقله وتخيله إلى ما هو أبعد من ذلك ليجده كوكباً منيراً من بعيد، وشبه تضاريس صحراوية عندما عرف حقيقته.
إقرأ أيضاً: أغسطس!
لذلك دعانا الله عزَّ وجلّ أن نتدبر ونتفكر ونتعقل، كي نرى الأشياء في أقرب صورها الحقيقية، وليس في كامل حقيقتها، لأنَّ العقل مهما كانت قوته، غير قادر على معرفة الحقيقة المطلقة.
لكن السعي نحو معرفة الحقيقة المطلقة كمال عظيم.. لا تكتمل حقيقته!