الديمقراطية بكونها نظاماً سياسياً اجتماعياً ترسخ في أوروبا، وأصبحت تضبط قواعد السلوك السياسي وآليات الحكم، كذلك تحدد دور ومساحة كل من السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والإعلامية. والحديث عن الديمقراطية في أوروبا وأميركا وعدد من دول آسيا، يقودنا للإشارة إلى أنها تشكل حداثة الفكر السياسي الغربي الذي تمثل بالديمقراطية كنظام سياسي، واعتماد اقتصاد السوق في بنية الدولة الاقتصادية، والعلمانية كثقافة للدولة ودستورها.
قراءة واقع المجتمعات العربية تؤكد حقيقة أنها تتشكل من ترابط مصالح لأحزاب سياسية وجماعات دينية وطائفية وأخرى عشائرية، مع مالك السلطة الحاكمة وهو المتولي على اقتصاد الدولة، الذي غالباً مايكون اقتصاداً ريعياً، أو اقتصاد رأسمالية الدولة التي تهيمن مركزياً على كافة موارد الدولة، أو اقتصاديات النفط التي اشتغل عليها عدد من دول الخليج العربي.
واقع المجتمعات العربية اقتصادياً وثقافياً يمثل مرحلة ما قبل النظام الرأسمالي، وهي مجتمعات تفتقر لقواعد الديمقراطية كنظام سياسي راسخ للدولة، وإذ تذهب بعض الأنظمة لإجراء الانتخابات، وتطلق عليها خطأً بـ "الديمقراطية"، بينما هي خطوة في دعم استمرار النظام بعنوان شرعية وجوده الوطني أو الشعبي، برغم امتناع 80 بالمئة عن المشاركة فيها.
انتفضَ أمير الكويت مشعل الصباح على مجلس الأمة الكويتي وأَعلَن تجميده لأربع سنوات، والباحث في أسباب هذا الإجراء يعود إلى استشراء الفساد في الكويت، وتصارع الأضداد الطائفية والعشائرية وتنامي النعراث الأثينية وغيرها من الموارد التي تحقق الخلافات والصراعات في ظل غياب تنمية حقيقية وتقدم للوطن والمواطن.
أما "الديمقراطية" العراقية فهي التكريس الحقيقي لضياع الدولة العراقية وتقسيمها وفق محاصصة طائفية - عرقية - أثينية، ومحاصصة في الثروات والامتيازات والنفوذ تتقاسمها الأحزاب التي تدعي تمثيلها للمكونات العراقية، ولا تغفل الذاكرة السياسية العراقية كيف أن زعماء الطوائف من السياسيين حرضوا وغذوا الحرب الطائفية التي قتلت نحو مليون عراقي من السّنة والشيعة، بهدف تدعيم سلطاتهم السياسية وتجميع المخدوعون من الشعب حولهم، حدث هذا مع اختلاس ونهب مئات المليارات من الدولارات حولت تلك الأحزاب إلى إمبراطوريات مالية، وعندما تطورت بسلطاتها انتجت ميليشيات وفصائل مسلحة.
إقرأ أيضاً: الأسلحة السرية!
خيبة أمل كبيرة تعرض لها الشعب العراقي خلال عقدين من الزمن، خيبة وجدت تمثيلها في غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات، وتراجع خطير في خدمات الصحة والنقل والنظافة والوعي الاجتماعي، وارتفاع معدلات الفقر والفاقة والبطالة، بالرغم من أنه بلد ينتج أكثر من أربعة مليون برميل نفط يومياً، عدا كونه بلداً يحتوي نهرين خالدين هما دجلة والفرات وله إطلالة بحرية وتتنوع بلاده إلى خمس بيئات طبيعية.
التجربة الديمقراطية الفاشلة في العراق وكذلك في الكويت، وهي تجارب تحت الإجراء الإصلاحي، ربما هي أفضل حالاً مما حدث ويحدث في ليبيا والسودان ولبنان، وهذا الحكم لا يعني أن الأنظمة الديكتاتورية - الاشتراكية حالها أفضل من تلك التي تدعي الديمقراطية، لكن ما يميز الأنظمة الدكتاتورية أنها تحافظ على نسق الدولة وقوتها، إلى جانب وجود سلطات مطلقة للرئيس وبعض أفراد عائلته، فوق القانون والدولة.
إقرأ أيضاً: الدكتاتور المتمرد صدام حسين يتناسل عراقياً
الأسباب التي تطبع الديمقراطيات العربية بالفشل، بحسب التجارب الواقعية المذكورة أعلاه، تتمثل بجملة معطيات أهمها غياب ثقافة المواطنة وانتشار الثقافات الفرعية من طائفية ومناطقية وعرقية وغيرها، تعدد مراكز القرار وانكفائها على انتمائها "العرق - طائفي"، مما يدفع لصراع الهويات الفرعية الطائفية والمذهبية، الأمر الذي يتسبب بتمزق النسيج الوطني، استشراء الفساد وغياب بناء منهجيات الدولة الحديثة، انعدام المساواة والعدالة بين أبناء الوطن الواحد، توليد بيئات جديدة سياسية - اقتصادية تساعد على نمو الدولة العميقة، أو الدولة الموازية التي تفرّغ الوجود التقليدي والرسمي للدولة من محتواه الحقيقي وتجعلها مهيأة للسقوط، أو منفتحة على احتلالات زاحفة من دول الجوار بعد أن يسقط الجدار الصلب للدولة.