"إذا أحضرتَ أعتى ثوري ومنحته سلطة مطلقة، في خلال سنة سيصبح أسوأ من القيصر نفسه"
- ميخائيل باكونين
من الحكايا الملهمة في منطق الطير لفريد الدين العطار النيسابوي ثمة قصة معبِّرة عن المروءة والشهامة وردت في ذلك العمل الأدبي الكلاسيكي، حيث يلمح فيها العطار إلى أن كريم الأصل ومن كان من أهل النخوة والمروءة لمجرد أن يأكل أحدهم من طعامه يغدو في مقام الأخ والشريك، حتى ولو كان بينه وبين الآخر جرماً كبيراً، وليس فقط لا يفكر بإيذاء مَن تناول مِن خبزه يوماً إنما يطالبه كذلك بالعفو والسماح عما بدر منه تجاهه وما اقترفه بحقه.
إذ تقول الحكاية: "عُلِّق أحد الرجال وهو مكبل بالقيد والأصفاد في يديه، وعندما حانت ساعة ضرب عنقه تعطفت عليه زوجة الجلاد بكسرة خبز، وما أن أقبل الجلاد ممسكاً سيفه، حتى رأى المسكين وكسرة الخبز في يده، فقال له: مَن أعطاك أيها الحقير هذا الخبز؟ قال: أعطتني إياه زوجتك، فما أن سمع الرجل جوابه، حتى قال: أصبح قتلك محرماً علينا؛ لأن كل من قضم خبزنا، لا يمكن رفع اليد بالسيف نحوه، ولا يمكن أن تكره أرواحنا من أكل خبزنا، فكيف يحل لي سفك دمك بسيفنا؟"
إقرأ أيضاً: زاهدي وعملية زوال إسرائيل
وقصة السياف الذي توقف عن قتل الضحية لمجرد معرفة السياف بأن الخبز الذي يأكله المحكوم هو خبزه وبناءً عليه يستحيل أن يقتل مَن شاركه الخبز، تأخذنا من نيسابور إلى الشمال السوري، حيث أن ثمة من لا يُطعم الآخرين شيئاً من طعامه أو حُر ماله، إنما هم يأكلون من خيرات وثمرات أهالي منطقة عفرين منذ سنوات، ولكن بدلاً من رد الجميل وتقديم الاعتذار يهينون من أكلوا ويأكلون من خيراتهم، فيا ترى أما فكر المنفلتون كالخنازير على رياض المنطقة بأن يرتقوا يوماً إلى مستوى السيّاف لدى فريد الدين العطار؟ ـ وهنا أحدِّد من يأكلون منذ سنوات الزاد وفوقها يعاملون بكامل العنجهية والغطرسة ذلك الذي أكلوا ويأكلون من خيراته ـ أم أن الجحود صفة ملازمة لهم ولا تنفصل عن سلوكياتهم أينما حطوا الرحال، وبالتالي بعيدة عن قيمهم الشخصية أو العائلية الاعتراف بالنِعم والشكر والامتنان، وكذلك الأمر الإقرار بالمنافع التي يحصلون عليها من الذين يُمعنون في إهانتهم منذ سنوات، وذلك بفضل السلطة التي مُنحت لهم من قِبل الجهة التي أرسلتهم للمنطقة بدعوى محاربة حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى الحماية الجوية التي يتمتعون بها بفضل الجهة المرسلة التي لا تسمح راداراتها وسلاحها الجوي ومسيراتها بأن يلجأ أي فرد من أبناء المنطقة إلى إستخدام أي وسيلة من وسائل الدفاع عن النفس بالسلاح الخفيف إذا ما تعرض للظلم كما يفعل أهالي درعا ويدافعون عن أنفسهم، هذا بالرغم من أن النظام هو الذي يحكم درعا وليس دعاة الحرية! وذلك لأنه وبقدرة قادر يُخفى عن منظور صاحب الرادارات والمسيرات جميع الانتهاكات الممارسة بحق الأهالي، ويُخفى عنه مشاهِد قطع الأشجار منذ سنوات، ويُخفى عنه المذابح التي تقام بحق التربة والحقول الخضراء، ولكنه في الوقت نفسه مهيأ في كل لحظة للإنقضاض بمسيراته إذا ما دافع مدني كردي عن كرامته وقام من غضبه وقهره بقطع ذيل أحد الأوباش المنفلتين بأمر الخاقان في رياض المنطقة، هذا عدا عن أن إحدى نواحي المنطقة غدت محمية خاصة بقائد إحدى الكتائب، النسخة المشوهة والأكثر رداءة عن رامي مخلوف لدى نظام دمشق.
إقرأ أيضاً: الاستعراض الإيراني الناجح
وبخصوص النسخ المخلوفية في الشمال السوري يظل أهالي منطقة عفرين الواقعة على الحدود السورية التركية يطرحون السؤال الدائم، ألا وهو يا ترى هل الحاكم الفعلي لمحمية شيخ الحديد ومن في حكمه هم بديل رامي مخلوف في الشمال السوري؟ ويا ترى مَن بمقدوره الوقوف بوجه هذا المتغول بأموال وممتلكات وأرزاق الناس؟ إذا كانت المظلة السياسية غير قادرة على لجمه، والحكومة الآنية لا تتجاسر على الاقتراب من منطقة نفوذه، ووزارة الذَود لا تجرؤ على الدنوِ من محميته، والوالي يغض الطرف عن كل تجاوزاته وانتهاكاته؟ والتساؤل الجوهري هو إذا كان الذي جعل من رامي مخلوف أخطبوطاً مالياً على امتداد مساحة سورية هو رأس النظام السوري نفسه، فمن يا ترى هو الرأس الكبير الذي يستمد حاكم تلك المحمية سلطانه وطغيانه اللامحدود منه؟