في اليوم التالي لاستعادة الجيش السوداني السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، من قبضة قوات الدعم السريع، انتشرت مقاطع فيديو على نطاق واسع تُظهر أفراداً يرتدون زي الجيش السوداني وهم يطلقون النار على مدنيين عُزل، ما أدى إلى مقتلهم.
أحد هؤلاء الجنود ظهر في مقطع وهو يصرخ بأن هذا سيكون مصير كل من يتعاون مع قوات الدعم السريع.
كما أظهر مقطع آخر مشهداً أكثر قسوة، حيث قام جنود بإلقاء أحد المدنيين من أعلى جسر، وأطلقوا عليه وابلاً من الرصاص، بينما كانوا يوجهون إليه الشتائم ويتهمونه بالعمل مع قوات الدعم السريع.
ود مدني في يد الجيش السوداني بعد أكثر من عام من سيطرة الدعم السريع
"إدانات محلية ودولية"
أثارت هذه المقاطع موجة من الإدانات من قِبَل مجموعات حقوقية وأحزاب سياسية.
وأصدرت محامو الطوارئ، وهي جماعة حقوقية محلية، بياناً، وصفت فيه ما حدث بأنه عمليات قتل واعتقال خارج إطار القانون، مشيرة إلى أن أكثر من 13 شخصاً قُتلوا في منطقة كمبو طيبة على يد أفراد تابعين للجيش السوداني والفصائل المتحالفة معه.
ووفقًا للبيان، فإن هذه الهجمات كانت ذات دوافع عرقية وجهوية، واستهدفت مجموعات تنحدر من إقليم دارفور.
وأوضح البيان أن "المشاهد المروعة أظهرت اعتقالات تعسفية أعقبها تعذيب وحشي وإعدامات ميدانية، حيث تم ذبح مدنيين بدم بارد، وإطلاق النار على آخرين دون محاكمة، بل ووصل الأمر إلى إلقاء أحد الأشخاص من أعلى جسر وإطلاق النار عليه قبل أن يسقط في المياه".
بدورها، أدانت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية، بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، ما وصفته بالانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، وطالبت الجيش السوداني بتقديم المتورطين إلى العدالة.
ومن اللافت أيضاً أن حاكم إقليم دارفور وقائد حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، الذي تحارب قواته إلى جانب الجيش، أدان هذه الأفعال أيضاً، داعياً الجيش إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
كما أدان المبعوث الأمريكي للسودان، توم بيريللو، هذه الانتهاكات. ودعا في تغريدة علي منصة "إكس"، الجيش السوداني، إلى محاسبة المتورطين.
"استهداف سكان الكنابي"
في ولاية الجزيرة، التي تُعتبر إحدى أكبر المناطق الزراعية في أفريقيا، يقطن مواطنون منحدرون من إقليم دارفور يُعرفون باسم "سكان الكنابي" وكنابي جمع كنبو وتعني معسكر.
وهؤلاء استقروا في قرى صغيرة تفتقر إلى الخدمات الأساسية، ويعملون في الزراعة منذ عقود.
وبعد يومين من ظهور المقاطع المصورة، أعلنت مركزية سكان الكنابي عن مقتل 17 شخصاً في هجمات وُصفت بالانتقامية.
واتهمت المركزية قوات درع السودان، وهي فصيل متحالف مع الجيش بقيادة أبو عاقلة كيكل، بتنفيذ هذه الهجمات ضد المدنيين.
الحرب في السودان: حيث يوجد أكبر عدد للأطفال النازحين في العالم
"حوادث فردية ومعزولة"
في ظل تصاعد الإدانات، أصدر الجيش السوداني بياناً أشار فيه إلى أن عمليات القتل التي وقعت كانت تصرفات فردية قام بها أفراد دون توجيهات من القيادة العليا.
وأكد الناطق باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، أن القوات المسلحة ملتزمة بالقانون الدولي في حربها على قوات الدعم السريع.
وأضاف البيان: "تدين القوات المسلحة التجاوزات الفردية التي حدثت مؤخراً في بعض المناطق في ولاية الجزيرة، عقب تطهير مدينة ود مدني، وتؤكد التزامها بمحاسبة كل من يثبت تورطه في تجاوزات ضد المدنيين".
كما دعا رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، الجنود والمواطنين، إلى الامتناع عن أخذ القانون باليد، مشددًا على أهمية تقديم المتعاونين مع قوات الدعم السريع إلى العدالة.
وأكد خلال كلمة ألقاها أمام حشد جماهيري في بورتسودان بمناسبة استعادة مدينة ود مدني، على ضرورة محاسبة المتورطين بما يتماشى مع القانون.
أما وزارة الخارجية السودانية، فقد وصفت في بيان لها الأحداث التي وقعت في ولاية الجزيرة بأنها "حوادث معزولة"، مؤكدة التزام الحكومة السودانية والجهات الأمنية بالقانون الدولي.
وأضاف البيان: "سيتم إجراء تحقيق دقيق في الحادثة، وسيخضع المتورطون للمساءلة. وقد صدرت توجيهات صارمة لأجهزة الأمن لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث".
"سوابق مشابهة"
وهذه الأحداث ليست الأولى من نوعها؛ فقد وُجهت اتهامات سابقة للجيش والفصائل المتحالفة معه بتنفيذ عمليات انتقامية ضد المدنيين.
ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اتُهمت كتائب البراء بن مالك، المرتبطة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، بقتل عشرات المدنيين في منطقة الحلفايا شمال الخرطوم، عقب استعادتها من قوات الدعم السريع.
كما اتُهمت قوات العمل الخاص، التي تقاتل بجانب الجيش، بتنفيذ عمليات تصفية جسدية لسكان مدنيين في مناطق أمدرمان القديمة، بعد ساعات من تحريرها.