لقد فوجئت، بل صُعقت بخبر وفاة الفريق الركن وفيق السمرائي بعد نشر مقالي بعنوان "شموع تحرير الكويت"، فحين تمنيت له الشفاء ضمن سياق المقال تبين أن أخي وصديقي المرحوم "أبو نوار" قد ودع الدينا قبل شهور، دون أن أدري!
تألمت كثيراً على خبر الوفاة وعدم قيامي بواجب العزاء في حينها، وتألمت أكثر أن الجهات الرسمية الكويتية ممثلة في وزارتي الخارجية ووزارة الإعلام تحديداً لم تقم بواجب العزاء والمواساة لأسرة المرحوم وفيق السمرائي والشعب العراقي أيضاً.
وزاد ألمي ألماً حين علمت أن صحيفة "القبس" حيث كان ينشر المرحوم وفيق السمرائي مقالات كثيفة لم تعلم بخبر الوفاة، ولعلها تبادر في نشر تقريرا عن المرحوم وجريدة "الجريدة" أيضاً، التي يملكها الأخ الفاضل محمد الصقر باعتباره صديقاً للمرحوم السمرائي.
نازعتني حيرة سياسية..والأسئلة المشروعة أمامي كالأمواج العاتية تتلاطم.. هل يعقل أن أحد شموع تحرير الكويت المرحوم وفيق السمرائي يودع الحياة دون أن تبادر جهة رسمية كويتية في التعبير عن صادق المواساة لشخصية نذرت نفسها لدعم الحق الكويتي؟!
لقد فوجئت بسياسة كويتية غير ناضجة دبلوماسياً وإعلامياً، بل مضطربة لا تفرق بين الأصدقاء الأوفياء والأقلام والحناجر المأجورة، فالمرحوم وفيق السمرائي قدم الكثير بلا حدود في مواجهة سياسية وإعلامية شرسة ضد نظام صدام حسين البائد.
ولا أتصور أن هناك ضمير رسمي كويتي حزن على فقدان السمرائي، ولا ذاكرة دبلوماسية تحترم التاريخ وتكن الوفاء لأصدقاء الكويت الأوفياء فقد اجتاحت الكويت من صواعق الزمن شتى وأزمات تاريخية عميقة، في حين الدروس أقل من ذلك بكثير!
ضحية اضطراب السياسات والدبلوماسية الكويتية هو المرحوم وفيق السمرائي وهي صدمة جديدة تضاف إلى رصيد من الصدمات الأخرى، التي أعلم بتفاصيلها الدقيقة ولكن الصمت أفضل من اجترار سردها والتعبير عن قسوة العتاب الوطني لموطني الكويت.
قسى علي دون قصد عمدي، فائق الشيخ علي حين علق على مقالي مغردا:لقد قرأت تغريدتك ومقالك القيم في إيلاف الغراء، ويؤسفني جداً أن أخبرك بأمرين محبطين. الأول وفاة سيادة الفريق الركن وفيق السمرائي قبل شهور. الثاني أنت الكويتي الوحيد الذي لا زال يذكرنا بخير!
تاهت افكاري بعد تغريدة الأخ العزيز النائب العراقي السابق فائق الشيخ علي في شوارع لندن متألما على الشعور بالخذلان والانكسار، ولكن مكالمة هاتفية مع السياسي المخضرم فائق حبست الأحزان وقزمت قسوة الزمن السياسي القبيح، فهو يسمو دائماً فوق الجراح والآلام.
فقد قدم المرحوم وفيق السمرائي شهادة تاريخية أمام مستشار محكمة الجنايات الكويتية نايف المطيرات في لندن في العام 2000 وفي مقر المركز الإعلامي الكويتي بشأن قضية علاء حسين خفاجي الذي ترأس "الحكومة" أبان شهور الغزو العراقي.
لعب الأخ المرحوم وفيق السمرائي أدوراً عسكرية وإعلامية وسياسية من الصعب حصرها وذكر تفاصيلها، ففي الإعادة ليس إفادة دائما، بل قسوة على الذاكرة والضمير السياسي الحي الذي لم يصاب بتبلد المشاعر ولا النكران للأصدقاء الأوفياء.
لا أنكر أطلاقاً حزني على بلدي، الكويت، وروحي التي صاغت علاقات جميلة مع قيادات عراقية معارضة أمثال فائق الشيخ علي والمرحوم وفيق السمرائي، متمنياً أن يصل صوتي إلى من يهمه الأمر، فنحن بحاجة شديدة لترميم العلاقات مع العراق الشقيق وليس هدمها!
داويت نفسي بنفسي باسم روح المرحوم الأخ وفيق السمرائي بقصيدة الشاعر الكويتي أحمد العداوني:
أخـي إن مُتُّ لا تسكب عـــلى قبري دمعه
بل خذ الشمعةَ من كفّي، وكن فـي اللـيل شمعه
إننـي مـنك قـريب كلـمـا ضــــــوأتَ بقعه
وتـركتَ اللـيل يـهـوي قطعةً فــي إثر قطعه
يا أخي ما أنت فـي معـركة الـتـاريـخ وحدك
كل ساع ها هـنـا يـقصد فـي الـحـلـبة قصدك
هَمّهُ أن يـنسِفَ السجنَ وقصرُ الظلـــــم يَنْدك
ويسـودَ الأرضَ عـدلٌ، تكفلُ الأحـــرار شَرعَه
يا أخي سـرْ، فـالأمـانـي كلّهـا تحت ركـابك
واللـيـالـي، ربـمـا تَعْبسُ لكـن مـن عِقـابك
أنـت فرد مـن لفـيفٍ متلاقٍ متشــــــــابك
قد رمى بالقـيـد عـن كفـيـه واستـنكر صنعه
كـم رفـيـق لك فـي السـاحة لا تعـرف إسمه
ثـابتِ الخطـوة مــــا زعزعَتِ الأحداثُ عزمه
كلمـا سدد سهـمـا، بـارك الـتـاريـخُ سهـمه
مـاردٍ كـالطــــــــود إلا أنه أروعُ طلعه
يـا أخـي سـر وَلـتكـن كبشَ فداء أو ضحـيـه
طالما روّتْ ضحايـا الـمـجـد أرضَ العبقـريـه
فأتت بـالنـبت ثأرا تتحـامـاه الـمـنـيـه
جارفَ التيـار كـاللـيل وكـالـبركـان وقعه
لك في الدرب رفـاق خضبـوا الثـورةَ بـالـدم
أنبياءُ العصر، روادٌ لهم فـي الـمـجـد مغنم
العـلا تهتف فـيـهـم واللـيـالـي تتكلــم
لكـمُ النصرُ فلا تبقـوا لجـيشِ الظلـم قـلعه
لا تخـف مـن جـامد مهـمـا تعـالى وتجــبر
سـوف يـمضـي كـسحــــاب لامس الريح فأسفر
أضعفُ الأشـيـاء شـيء ثـابت لا يـتطــــور
الـبـلى يـنخر فـيـه وهْو لا يـمـلك دفعه
لا احسب الناقد الوطني قاسياً وفضولياً أو متطفلا على قصر النظر السياسي، بقدر ما أظن أن العتب من شيم الأوفياء للوطن.
لقد أسفت وكم أسفت على ما حدث ويحدث وتألمت أكثر من أسفي على ما يجري وجرى، فقد تكشفت براهين على التقصير السياسي، بعد سنوات وخبرات ما كان لي أن أصل ما وصلت إليه لولا الأوفياء كالمرحوم وفيق السمرائي وفائق الشيخ علي.
رحم الله وفيق السمرائي وخالص العزاء وصادق المواساة لأسرة الفقيد والشعب العراقي الشقيق، داعياً المولى عز وجل أن يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته.
*إعلامي كويتي
وفيق السمرائي.. ضحية دبلوماسية مضطربة!
مواضيع ذات صلة