"شيء من ابتلاءات المرضى في وسطنا الطبي البائس"
معذرة أعزاءنا القرّاء فيما لو تماديت في عرض وضعي الصحي الخاص غير اني أهجس هذه الحالة ليست مقتصرة عليّ حصرا لكنها حالة عامة يعانيها كمٌ هائل من المبتلين بالأسقام في بلادي .
إذ اعتدت بين مدة وأخرى زيارة عيادة الطبيب الذي أتردد عليه كلما تفاقمت أوجاعي لمراقبة وضعي الصحي الذي اخذ يتردّى كثيرا بسبب أمراض الشيخوخة المزمنة.
فقبل ثلاثة أشهر تقريبا من زيارتي الأخيرة له؛ كانت أجور الكشف الطبي ومعاينة المريض من قبل الطبيب الاختصاصي تتراوح بين 20- 25 ألف دينار (ما يقارب 15 دولارا أميركيا) عدا مصاريف المختبر وأجور التحاليل التي أخذت تتصاعد بشكل مهوّل بذريعة تافهة وهي ارتفاع سعر الدولار ووصوله الى ما يفوق 150 الف دينار عراقي ولا أدري ما وجه الشبه بين هذا الارتفاع وخدمة اجور الكشف الطبي، إضافة الى ارتفاع أسعار الأدوية وبالأخص الأدوية الناجعة ذات المناشيء المعروفة الجيدة؛ فقد أخذت تسبب لنا أمراضا مفزعة ومخيفة في أنفسنا بسبب غلائها غير الأمراض الكامنة في أجهزة أجسادنا.
اما الأدوية البديلة الرخيصة نوعا ما فلا يمكن ان تشفي سقيما مثلي وكثيرا ما اضطر الى استلاف مبالغ إضافية لشراء ما أراه مُرضيا من دواء مناسب ومفيد لوضعي الصحي مهما غلا ثمنه.
ومن خلال مراجعاتي المتكررة أحسست ان هناك "كارتل" طبي يديره بعض الأطباء بالتنسيق مع أصحاب المختبرات ومالكي الصيدليات وعيادات الأشعة وكل الجهات التي يحتاجها المريض، وهدف هذا الكارتل استنزاف كل ما في جيب المريض من مدّخرات في اليوم الأسود الذي هو فيه وإلاّ فما معنى ان تتصاعد أجور معاينة المريض بشكل ينبئ عن ابتزاز مقصود وارتفاع مبالغ التحاليل الخاصة بي الى 80 الف دينار بعد ان كانت تتراوح بين 40-50 الف دينار ناهيك عن أسعار الأدوية الناجعة ذات المناشيء الأميركية والأوربية حيث ارتفع مبلغ الروشتة التي صرفتها مؤخرا الى 120 ألف دينار بعد ان كانت خلال الستة شهور الفائتة 80 ألف دينار لنفس الأدوية تماما.
والغريب ان وزارة الصحة تتغافل عن هذه الممارسات غير السليمة بحقّ المريض الذي لا ملاذ له سوى الوقوع في حبائل هؤلاء العاملين في الحقل الصحي.
فالكلٌ ينهش من جيبه ولا يعبئون من الأمراض التي أخذت تنهش هي الأخرى ما تبقّى له من عافية ولا أستثني نقابات الأطباء والصيادلة وذوي المهن الصحية التي أغمضت عيونها هي الأخرى عمّا يجري ويحاك لامتصاص أموال المرضى المتعبين وهم جلّهم من المقعدين والمنهكين والمعوزين.
اما كان الأجدر بهذه المؤسسات الصحية ان تقوم بإجراءات وإصدار توجيهات وتعليمات تلزم العاملين في الحقل الصحي بمراعاة هموم المرضى وعدم استنزاف أموالهم بالشكل الذي نراه في غاية التعسّف والجور او على الأقل سنّ قانون التأمين الصحي كما هو مشرّع في معظم الدول كي يضمن المواطن علاجه في المؤسسات الحكومية على أحسن وجه مقابل مبلغ مالي مناسب او أقساط شهرية تدفع من قبل المريض اذا ألمّ به مرض ما.
والحق أقول ان العلاج الآن في مستشفياتنا الحكومية لا يصل الى الطموح المطلوب وغير مقنع تماما لذا يضطر المريض الى اللجوء لمراجعة الأطباء في عياداتهم الخاصة والدخول الى المستشفيات الأهلية رغم كلفتها الهائلة وابتزازها الواضح للمريض المعنّى.
وما ضرّ لو تقوم وزارة الصحة بترتيب إجراء معيّن لتوفير الدواء والعلاج للمرضى الذين يعانون أمراضاً مزمنة وتنظيم مراجعاتهم الى المستشفيات الحكومية بصورة دوريّة كلما أمكن ذلك كي يتخلص المريض من جشع البعض في العيادات الخاصة والمستشفيات الأهلية والمختبرات التي تدار من قبل القطاع الصحي الخاص.
لا أنكر أنني استلم راتبا تقاعديا مجزيا بعض الشيء كما يغدق عليّ أولادي بما تجود أيديهم بين حين وآخر إضافة للمكافآت غير السخيّة التي أنالها من الصحف التي اكتب فيها؛ لكن كل هذه الموارد تقف عاجزة أمام سدّ نفقات العلاج وكثيرا ما أضطر الى ان استلف جزءا من المال لتغطية مصاريف الخدمات الصحية. ولَكُم ان تتصوروا حال الفقراء والمحتاجين الأكثر عوزا مني الذين ينتابهم المرض وكيف يقفون عاجزين أمام سدّ نفقات العلاج الباهظة التي أخذت تقدّ اللحم وتذيب الشحم وتهيض العظم قبل ان تزهق أرواحنا جرّاء المرض اللعين والغلاء الذي لا يرحم.