: آخر تحديث

نقابات مُحتلة وأخرى مُعتلة!

88
79
70
مواضيع ذات صلة

لقد قدر لكثير من النقابات الشرقية أن تقع في شباك الاحتلال لحكومات وأفراد وجهات وجماعات لأسباب شتى ولعل أهمها البذخ المادي والدعم السياسي المسموم بالنفوذ لصالح توجهات واهتمامات معينة!
لم يعد من العسير الاهتداء إلى هوية واهداف النقابات المُحتلة من حكومات مختلفة وجماعات وأفراد من أصحاب النفوذ السياسي والمادي، فقد تحولت كثير من النقابات إلى أبواق حكومية بدلا من منابر نقابية حقيقية تستهدف الدفاع عن الحقوق الوظيفية والعمالية.
تحولت مجالس إدارات نقابية إلى واجهات سياسية رسمية أو جماعات وتيارات متنفذة اجتماعياً ودينياً مما أدى إلى تشويه انتخابات مجالس الإدارة حفاظاً على نبض عروق موالية لأجندات غير نقابية!
تاريخياً، هناك نقابات حملت رايات الإصلاح السياسي والديمقراطية والنضال كالنقابات العمالية في الكويت، في حين فقدت اليوم تلك النقابات أهدافها وبريق عملها واتجاهاتها الفكرية المتحررة من القيود الاجتماعية التقليدية بسبب خضوعها لإغراءات مادية وسياسية خارج نطاق ما وثقه التاريخ السياسي!
باتت ظاهرة لافتة انتشار إعلامي لصور مجالس الإدارات متنفذة دينياً مع أصحاب القرار السياسي، نتيجة تواري تيار المجتمع المدني وتنازل النخب السياسية عن دورها لصالح تيارات دينية متشددة خوفاً من المواجهة المجتمعية مع تيارات ذات سلطة غير مدنية!
يطل منذ عقود من الزمن الغلو والإرهاب الفكري والتطرف من نوافذ نقابية طلابية واكاديمية وجمعيات نفع عام، دون إدراك الأنظمة السياسية لمخاطر توغل وتغلغل تلك التيارات والتوجهات المتشددة دينياً على المجتمع والدولة.
اعتصامات شعبوية وإضرابات ذات طبيعة مادية بحتة غير حقوقية فرضت نفسها على الساحة السياسية بمباركة رسمية في العديد من الدول، بالرغم من عدم قوتها النقابية، وبتفاهم سياسي مبطن بالمصلحة الوطنية، في حين الحقيقة على خلاف ذلك تماماً!
تستفيد نقابات مختلفة من دعم سياسي رسمي غير خفي تقوده جماعات وتيارات دينية متشددة بأهدافها وخطابها نتيجة توغل منظم في المجتمعات والدول وتغلغل تلك التيارات في العمل السياسي عموماً وخاصة البرلماني غير المتحرر من القيود فكرياً وسياسياً.
ولعل ما نشهد من عدم جاهزية الجهات الأمنية في تسيير الحياة اليومية في حال الإضرابات غير المشروعة قانونياً وسياسياً واجتماعياً، التي تتباها التيارات غير المدنية والموالية للمتنفذين دينياً يؤكد على تحالفات حكومية مع تلك التيارات بالرغم من خطورتها على المجتمعات المدنية.
ففي بريطانيا، نفذت النقابات قبل نهاية العام 2022 في ميادين حيوية كالمنافذ الأمنية، في حين تمكن الجيش في ضبط الحركة بالمنافذ الجوية والبرية والبحرية والتعامل الفني والتقني كبديل عن المضربين المدنيين وهو دليل على تدريب مسبق للطوارئ وأي ابتزاز سياسي.
إن أي تشكيل وزاري وتعديل سياسي متواضع يحمل في طياته احتمالات تشيع التخوف من حدوث هزات جديدة تزعزع الاستقرار في المؤسسات الحكومية من المؤكد أنه لن يقضي على ذلك التخوف أو ظاهرة التسيب الوظيفي بسبب غياب العمل المؤسسي المتناغم وزارياً.
بلا شك أن الدعم السياسي الحكومي للعمل النقابي الحقيقي وترسيخ مفاهيمه في المناهج والتوصيف الوظيفي سيكون له المردود الإيجابي على المجتمع والدولة ومن شأنه أيضاً القضاء على الغلو والإرهاب الفكري والتطرف الديني قبل الأفول الحتمي للدولة المدنية.
ينبغي أن تحرص الحكومات والأنظمة السياسية الديمقراطية على القواعد والمواد الدستورية، فالاستقرار السياسي ليس ترفاً ولا الدساتير لعبة سياسية، ولا بد من تعزيز المشاركة الشعبية في صناعة القرارات المصيرية وترسيخ علاقات التعاون مع البرلمان على نحو مدني وليس ديني.
يجب عدم انتظار احتضار العمل النقابي في الوطن العربي، فاحتضاره هو احتضار للشعوب والأنظمة الديمقراطية الدستورية. 

 

 

 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.