إن من سوء حظ العراق أنْ جعله الله محكومًا بجيرته مع إيران التي كانت منذ قرون عديدة تسعى لاحتلاله وضمه إلى أملاكها، فتفشل وتخيب، حتى حقق لها الأميركيون مرادها بأبسط وأسهل ما يكون، خبثًا أو جهالة.
ففور هبوط الحاكم الأميركي بول بريمر على أرض مطار بغداد في نيسان (أبريل) 2003، حاصرته بوكلائها وخدمها العراقيين، ثم صار الحرس الثوري مهندسَ العراق الديمقراطي الجديد، ومقرر سياساته وشؤونه وعلاقاته الخارجية مع دول الجوار والمنطقة والعالم.
ثم تحول قادة الأحزاب الشيعية والسنية والكردية إلى مُقبّلين دائمين لأعتاب الولي الفقيه، يلتمسون منه البركة، ويتلقون طلباته الأوامر وهم صاغرون.
يعني، بعبارة أكثر وضوحًا، ومن دون مجاملات، يمكن أن نقول ولا يخالفنا أحد إن جزءًا كبيرًا من خراب العراق من زراعة واحد اسمه علي خامنئي، دون سواه.
والأكثر قهرًا وتنغيصًا أنّ كل ما تحقق له من هيمنة مطبقة على حاضرنا ومستقبل أجيالنا الآتية لا يراه كافيًا، فصار يريد المزيد. ويتلخص هذا المزيد بجعلنا سلعة يبيعها لمن يشاء، متى يشاء. وها هو اليوم يأمر بتقديمنا هدية على طبق من دم ودموع لحليفه الروسي فلاديمير بوتين، لاستخدامنا ورقة مساومة، أو لتجنيدنا في حروب مهلكة، من دون أن يستأذن أحداً منا، ولا حتى من وكلائه وأتباعه الولائيين.
طبعًا، من حقه أن يتحالف مع روسيا بوتين وكوريا كيم جونغ أون أو غيره من الحكام المتوافقين معه في جنون القوة والعظمة وشهوة الاحتلال وغزو البلاد الآمنة وتمزيقها وتدميرها واستعباد أهلها وسرقة ثرواتها، ولا حقّ لأحد منا في الاعترض أو المناقشة.
لكن، ليس من حقه أن يدعو وزير خارجية روسيا الداخلة في حرب مدمرة في أوكرانيا ضد ثلاثة أرباع الدنيا ليحلَّ ضيفًا ثقيلًا علينا، ويحشرنا في خانة الضالين والمغضوب عليهم من الأميركيين وحلفائهم الأوروبيين القادرين على خنقنا وتجويعنا وتدمير ما تبقى من كفاف عيشنا، ونحن مُساقون كالأغنام، لا رأي لنا ولا قرار.
ولأن للعراق حكومةً "غضروفية" يملكها ويديرها الإطار التنسيقي الشيعي الوكيل المعتمد لولاية الفقيه، فقد دشن الضيف الثقيل جولته في عاصمة الرشيد، غير عابيء بأصول الضيافة والديبلوماسية، بالاجتماع مع واحد منبوذ ومكروه ومشبوه في الساحة السياسية في العراق، اسمه نوري المالكي، على الرغم من أنه ليس رئيس جمهورية، ولا رئيس وزراء، ولا وزير خارجية، ولا نائب ولا هم يحزنون. يقول بيان مكتب المالكي: "في بداية اللقاء، نقل السيد لافروف تحيات الرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية وتمنّياته الطيبة إلى السيد نوري المالكي والشعب العراقي بدوام التقدم والارتقاء".
العجيب الغريب أن رئيس الجمهورية، أو رئيس الحكومة، أو وزير الخارجية، أو أي واحد آخر من رؤساء الأحزاب والائتلافات، وأصحاب المليشيات، لم ينزعج، ولم يعترض على ارتكاب الوزير الروسي هذه الموبقة.
ثم لم يعترض أيٌ من هؤلاء المحسوبين علينا قادة وزعماء على إقحامنا في نار جهنم الحامية التي لن تكون علينا لا بردًا ولا سلامًا، فوق كل بلاوينا ومصائبنا وآلامنا المتكلكلة التي لا تنتهي.
استقبل رئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد ضيفه الوزير الروسي و"بحث معه سبل تعزيز العلاقات والتعاون بين البلدين، ومستجدات الأحداث الإقليمية والدولية". وشدد رئيس الجمهورية على "ضرورة تدعيم وتطوير العلاقات في المجالات ذات الطابع الاستراتيجي والحيوي".
بدوره، "أكد الوزير الروسي دعم بلاده للعراق، ورغبتها الجادة في تعزيز العلاقات معه وتوسيع أطر التعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية وتأهيل البنى التحتية".
من جانبه، جدد رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، خلال لقائه لافروف "حرص العراق على إدامة العلاقات مع الأصدقاء"، "وعلى تعزيز واستمرار التواصل والتنسيق المعلوماتي بين البلدين، في مجال مكافحة الارهاب والتطرّف".
وأعلن لافروف أنه بحث مع رئيس الوزراء ترتيباتٍ لعقد اجتماع بينه وبين بوتين لم يوضح مكانه وزمانه.
وفي وقت سابق، بحث وزير خارجية العراق مع الوزير الروسي مجالات التعاون في المجالات التسليحية والأمنية والسياسية والطاقوية، وناقشا قضايا فلسطين وأوكرانيا وسوريا.
وأكد لافروف أن "من الضروري إعفاء العلاقات العراقية الروسية من العقوبات المفروضة من قبل الغرب".
ثم وعد فؤاد حسين بأن "يبحث مع الجانب الأميركي، خلال زيارته القادمة لواشنطن، أزمة الدولار في العراق، والتعاون مع الشركات الروسية في ظل العقوبات المفروضة على موسكو بسبب حربها على أوكرانيا.
يعني أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية اختاروا الجبهة الروسية الإيرانية، وقرروا تحدي النظام الدولي القائم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، تلبية لأوامر السيد المطاع القابع وراء الحدود.
إذًا، تأسيسًا على كل هذه الدرجة من العبودية والضآلة والهوان، أصبح لزومًا عليكم أيها العراقيون أن تتهيأوا لاستقبال خرابات جديدة إضافية، دولارية تارة، وسياسية وأمنية وعسكرية تارة أخرى، تحملها طيور الأبابيل الروسية القادمة إليهم، مثلما حملته لأشقائهم السوريين فجعلتهم كعصف مأكول.