: آخر تحديث
تحديات خطيرة تواجه ملايين الأسر في أفغانستان

"الشاي أحيانا هو كل ما أستطيع أن أعطيه لطفلتي الجائعة"

24
21
23

تجلس سهيلة نيازي على الأرض في منزلها المبني بالطول اللبن، على جبل يقع في شرقي العاصمة الأفغانية كابل، وتقول: "المرة الأخيرة التي استطعت فيها شراء لبن لطفلتي كانت قبل شهرين. بدأت ملء زجاجة الرضاعة بالشاي، أو نقع الخبز في الشاي ثم إطعامها إياه".

يتعين على المرء أن يسلك دروبا طينية شديدة الانحدار تتدفق على جانبيها مياه الصرف الصحي في ظل عدم وجود طرق يسيرة تؤدي إلى منزل سهيلة، وهي أرملة وأم لستة أطفال، أصغرهم فتاة تبلغ من العمر 15 شهرا اسمها حسناء فكيري.

والشاي الذي تشير إليه الأم هو ذلك الشاي التقليدي الذي يشربونه في أفغانستان، مصنوع من أوراق خضراء وماء ساخن، بدون إضافة لبن أو سكر، كما لا يحتوي على أي قيمة غذائية لطفلتها.

تعد سهيلة واحدة من 10 ملايين شخص يعانون من انقطاع المساعدات الغذائية الطارئة التي كان يوفرها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة العام الماضي، والانقطاع ناجم عن شُح التمويل، كما يمثل ضربة قاسمة وُجهت لنحو مليوني أسرة تعولها نساء في أفغانستان.

وتقول سهيلة إنها لا تستطيع الخروج من أجل العمل وتوفير الطعام لأسرتها في ظل حكم طالبان.

وتضيف: "مرت علينا الليالي ونحن لا نملك شيئا نأكله. كنت أقول لأطفالي أين أذهب لأستجدي شيئا في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ إنهم ينامون وهم جائعون، وعندما كانوا يستيقظون كنت أتساءل ماذا سأفعل".

وتقول: "كان أحد الجيران يحضر لنا بعض الطعام، كان أطفالي يتدافعون وهم يقولون (أعطني، أعطني)، كنت أقسّم هذا الطعام بينهم لتهدئتهم".

أما بالنسبة لتهدئة طفلتها الجائعة، تقول سهيلة إنها كانت تعطيها "دواء للنوم".

وتضيف: "أعطيها الدواء حتى لا تستيقظ وتطلب اللبن لأنه ليس لدي أي لبن أعطيه لها، وبعد تناول الدواء، كانت تنام من صباح اليوم إلى صباح اليوم التالي، وأحيانا كنت أعاينها لأتحقق من كونها هل لا تزال حية أم ماتت".

سألنا عن هذا الدواء الذي كانت تعطيه سهيلة لابنتها، وعرفنا أنه دواء شائع مضاد للهستامين أو مضاد للحساسية، ومن آثاره الجانبية التخدير.

أخبرنا الأطباء أنه على الرغم من أن هذا الدواء يعد أقل ضررا مقارنة بالمهدئات ومضادات الاكتئاب التي رصدنا بعض الآباء الأفغان يعطونها لأطفالهم الجائعين، إلا أن الجرعات العالية من هذا الدواء يمكن أن تسبب ضيقا في التنفس.

وتقول سهيلة إن زوجها مواطن عادي قُتل في تبادل لإطلاق النار في مقاطعة بنجشير عام 2022، أثناء معركة بين قوات طالبان ومعارضين لحكم طالبان، وبعد وفاته، اعتمدت بشكل كبير على المساعدات التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي، وهي الدقيق والزيت والفاصوليا.

والآن يقول برنامج الأغذية العالمي إنه يستطيع توفير مساعدات لثلاثة ملايين شخص فقط، أي أقل من ربع عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع الحاد.

وتعتمد سهيلة بشكل كامل على تبرعات من أقاربها وجيرانها.

كانت طفلتها حسناء هادئة وغير نشيطة معظم الوقت الذي قضيناه هناك، وهي تعاني من سوء تغذية معتدل، وتعد واحدة من بين ما يزيد على ثلاثة ملايين طفل يعانون من سوء التغذية في البلاد، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، كما يعاني ما يزيد على ربع هؤلاء الأطفال من أسوأ حالات سوء التغذية الحادة، وتقول الأمم المتحدة إن هذا هو أسوأ ما حدث على الإطلاق في أفغانستان.

وفي الوقت الذي يعصف فيه سوء التغذية بالصغار، انقطعت مساعدات حالت دون انهيار نظام الرعاية الصحية في البلاد.

كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تدفع رواتب العاملين في الفرق الطبية، وتموّل الأدوية والغذاء فيما يزيد على 30 مستشفى، كإجراء مؤقت طارئ في أعقاب تغيير النظام الحاكم في عام 2021.

والآن لم يعد لديها الموارد اللازمة للاستمرار، وانقطعت المساعدات عن أغلب المرافق الصحية، بما في ذلك مستشفى الأطفال الوحيد في أفغانستان، مستشفى "أنديرا غاندي" للأطفال في كابل.

ويقول محمد إقبال صادق، المدير الطبي للمستشفى الذي عينته طالبان، لبي بي سي: "الحكومة الآن تدفع رواتب الأطباء والممرضات، وخُفّضت رواتبهم جميعا إلى النصف".

كما أغلق المستشفى قسم العيادات الخارجية، واقتصرت الخدمات فقط على أولئك الذين يحتاجون إلى دخول المستشفى.

ويزدحم جناح سوء التغذية في المستشفى بالحالات، الأمر الذي يؤدي إلى مشاركة أكثر من طفل في السرير الواحد.

شاهدنا في إحدى أركان المكان طفلة تدعى سمية، تجلس في وضعية مستقيمة، تبلغ من العمر 14 شهرا، ووزنها مثل وزن طفل حديث الولادة، وجهها الصغير متجعد أشبه بوجه شخص أكبر سنا بكثير.

يجلس بجانبها طفل اسمه محمد شافي، وزنه نصف ما يجب أن يكون عليه وزن طفل في عمر 18 شهرا، كان والده أحد مقاتلي طالبان، وتوفي في حادث طريق، كما توفيت والدته بسبب المرض.

وعندما مررنا بجوار سريره، أتت إلينا جدته المسنّة، حياة بيبي، مضطربة وتريد أن تحكي قصتها، وقالت لنا طالبان ساعدت في نقل حفيدها إلى المستشفى، لكنها لا تعرف كيف ستسير الأمور.

وتضيف حياة بيبي وتدمع عيناها: "أتكل على رحمة الله. لا ملجأ لي سواه، أنا ضائعة تماما، أتألم، رأسي يؤلمني بشدة، كاد أن ينفجر".

سألنا ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حكومة طالبان، إذا كانوا يفعلون شيئا في سبيل إقناع المجتمع الدولي بتقديم المزيد من المساعدات.

قال: "انقطعت المساعدات لأن اقتصادات الدول المانحة متعثرة بسبب كارثتين كبيرتين، جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا. لذا لا يمكننا أن نتوقع مساعدة منهم، ولن نحصل على مساعدات إذا تحدثنا معهم".

وأضاف: "يتعين علينا أن نعتمد على أنفسنا، استقر اقتصادنا ونمنح عقود تعدين ستوفر فرص عمل لآلاف الأشخاص. لكني بالطبع، لا أقول إنه يجب قطع المساعدات لأننا لا نزال نواجه تحديات".

سألناه هل يعترف بأن سياسات طالبان كانت جزءا من المشكلة أيضا؟ وأن الدول المانحة لا تريد منح أموال لدولة فرضت حكومتها قيودا صارمة على النساء؟

أجاب مجاهد: "إذا استُخدمت المساعدات كأداة ضغط، فللإمارة الإسلامية قيمها الخاصة التي ستحافظ عليها بأي ثمن. بذل الأفغان تضحيات كبيرة في الماضي لحماية قيمنا، وسوف يتحملون قطع المساعدات أيضا".

لا تروق تصريحات متحدث طالبان لكثير من الأفغان، نظرا لأن ثُلث سكان البلاد لا يعرفون من أين سيحصلون على وجبتهم الغذائية التالية.

وفي منزل بارد ورطب من غرفة واحدة قبالة أحد شوارع كابل، قابلنا امرأة، طلبت عدم ذكر اسمها، تقول إن حركة طالبان منعتها من بيع الفواكه والخضراوات والجوارب وغيرها من الأشياء المتنوعة في الشارع، وتضيف أنها اعتُقلت مرة واحدة أيضا، وقُتل زوجها أثناء الحرب وتعول أربعة أطفال.

وتقول، متألمة بعد دقائق من حديثها عن وضعها : "يتعين عليهم على الأقل أن يسمحوا لنا بالعمل وكسب العيش بطريقة شريفة. أقسم بالله أننا لن نخرج من أجل أعمال سيئة. نحن نذهب فقط لكسب الطعام لأطفالنا وهم يضايقوننا بهذه الطريقة".

واضطرت السيدة حاليا إلى إرسال ابنها، البالغ من العمر 12 عاما، للعمل.

وتقول: "سألت أحد الأخوة من طالبان، ماذا أُطعم أطفالي إن لم يتوفر لدي دخل؟ فقال لي أعطهم السُم، ولكن إياك والخروج من المنزل".

وتضيف: "أعطتني حكومة طالبان بعض المال مرتين، لكنه لا يكفي".

قبل استيلاء طالبان على السلطة، كان ثلاثة أرباع الإنفاق العام يأتي من أموال تمنحها دول أجنبية مباشرة للنظام الحاكم السابق، وتوقف ذلك في أغسطس/آب 2021، مما أدى إلى تعثر الاقتصاد.

وتدخلت منظمات الإغاثة لتكون بمثابة جسر مؤقت، كانت له أهميته البالغة، بيد أن هذا التمويل انقطع منه الكثير حاليا.

خطورة الوضع لا تستدعي المبالغة، إذ رأينا ذلك مرارا يحدث خلال العام الماضي، كما أصبح الملايين يعيشون على الخبز الجاف والماء، وبعضهم لن يتمكن من الحصول عليه خلال فصل الشتاء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في اقتصاد