باريس: انقطاع التيار الكهربائي في الصين وفوضى في محطات الوقود في بريطانيا ومصانع متوقّفة عن العمل... يهدّد نقص المحروقات والاضطرابات في سلاسل الخدمات اللوجستية بإعاقة انتعاش الإقتصاد العالمي بعد الركود الناجم عن أزمة كوفيد-19.
شهد الأسبوع الماضي نماذج جديدة من الصعوبات التي تعيق الإمدادات في العالم: فالصين تعاني من نقص كبير في الفحم الحجري لتشغيل محطاتها الكهربائية. أما المملكة المتحدة فليس لديها عدد كافٍ من السائقين لقيادة الشاحنات لتوصيل الوقود والمواد الغذائية وسلع أخرى. وفي كافة أنحاء أوروبا، تسجّل أسعار الغاز ارتفاعاً حاداً لأن العرض لا يكفي لتلبية الطلب.
يقول الباحث في معهد "بروغل" Bruegel في بروكسل نيكلاس بواتييه لوكالة فرانس برس إنّ "الخطر هو أن يتباطأ النمو رغم إعادة فتح الإقتصادات، لأنّنا لن نتمكّن من إنتاج ما يطلبه الناس".
تُبيّن الإحصاءات الصعوبات الإقتصادية الحالية.
فقد شهدت الصين انكماشاً في نشاطها الصناعي في أيلول/سبتمبر للمرة الأولى منذ مطلع العام.
في فرنسا وفي منطقة شيكاغو، سجّل النشاط الصناعي الشهر الماضي حدّه الأدنى منذ أوائل العام 2021 (كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير).
كما أنّ الإنتاج الصناعي تراجع في اليابان في آب/أغسطس للشهر الثاني على التوالي.
ترخي الصعوبات في التزوّد بالمواد الأولية بثقلها على القدرات الإنتاجية للشركات.
وقد تأثّرت صناعة السيارات بشكل خاص بسبب نقص بعض الرقائق. وخفّضت شركة تويوتا توقّعاتها للإنتاج الشهر الماضي كما أنّ مجموعة ستيلانتس (بيجو وفيات....) ستغلق مصنعاً لها في ألمانيا لصناعة سيارات أوبل مطلع العام 2022 مشيرةً إلى وضع "استثنائي".
قد يخسر القطاع 210 مليار دولار من رقم أعماله هذا العام، أي قرابة ضعف توقّعات مطلع العام، بحسب التوقّعات الأخيرة لشركة "أليكسبارتنرز" Alixpartners.
وناقوس الخطر يدقّ أيضاً في قطاع الملابس، إذ تحدّثت شركة "أتش آند أم" H&M السويدية العملاقة للملابس الجاهزة الخميس أثناء عرض نتائجها عن "اضطرابات وتأخيرات في توصيل المواد" في أيلول/سبتمبر.
تواجه مجموعة "إيكيا" Ikea السويدية العملاقة من جهتها، صعوبات بسبب نقص في عدد الموظفين في قطاع النقل وأسعار المواد الأولية.
الوباء يتحكّم بالأمور
وسط ضغوط قوية مرتبطة بانتعاش الإقتصاد في مرحلة ما بعد كوفيد، ارتفعت تكلفة الشحن بمقدار خمسة أضعاف خلال عام للسفر من الصين إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، وفق مؤشر فريتوس في بورصة البلطيق.
يوضح الباحث جايكوب كيركيغارد في معهد "بيترسون" في واشنطن أنّه من الصعب بالنسبة لقطاع الحاويات التكيّف بسرعة مع الصدمات، إذ إنّ حاملات الحاويات تشهد أيضاً نقصاً خطيراً.
لكنّه يرى أنّه ينبغي تحليل هذا الوضع "كخطر تأخّر الإنتعاش الإقتصادي (...) لا أعتقد أنّ الصدمة ستكون قوية بما فيه الكفاية لتؤدي إلى عودة إلى الركود".
يؤكّد نيكلاس بواتييه أنّ "معظم هذه المشاكل يجب أن تُحلّ على المدى المتوسط" متحدّثاً عن احتمال أن نشهد بعد عدة فصول من الإضطرابات.
ويعتبر رئيس مجلس الإحتياطي الفدرالي جيروم باول أنّ هذه الصعوبات يمكن أن تكون "أكبر وأطول من تلك المتوقّعة".
حتى ذلك الوقت، من الممكن تخفيف الإكتظاظ في بعض المرافئ على غرار مرفأ لوس أنجليس. وقد يتحسّن الوضع أيضاً في مراكز إنتاج مهمة على غرار تلك المتواجدة في فيتنام التي خرجت للتو من إغلاق استمرّ ثلاثة أشهر في مدينة هو شي مينه، الرئة الإقتصادية للبلاد.
لكن في الوقت الحالي، ما زال الوباء يتحكّم بالأمور.
تقول كاتبة مدوّنة "كوبولا كومنت" Coppola Comment المالية فرانسس كوبولا إنّ "في المملكة المتحدة أو في أوروبا، يتصرّفون كما لو أنّ الوباء انتهى". وتضيف أنّ "التجارة الدولية لا يمكن أن تعود إلى وضعها الطبيعي طالما ما زال في بعض الدول ناس يموتون جرّاء كوفيد".