مرّة أخرى، تؤكّد الرياض حرصها على توطيد علاقاتها بالدول المتقدّمة والمؤسسات المالية الكبرى التي تُعدّ أحد أهم محاور مستقبل الاقتصاد العالمي، وتعمل على ترسيخ دعائم الشراكة الاستثمارية مع مختلف دول العالم.
لماذا يدخل المستثمر الأجنبي السوق السعودية باهتمام وثقة؟ لعلّي أجيب بإعطاء بعض الأمثلة.
أصدرت السعودية 180 ترخيصاً لشركات عالمية مرموقة لنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض، وسيتمّ منح 10 شركات أخرى تراخيص خلال الأسبوع الجاري، ما يحقّق مستهدفات الدولة التي رسمتها في هذا الاتجاه. المُراد تحقيقه أيضاً توفير الوظائف والحدّ من التسرّب الاقتصادي، وضمان أنّ المنتجات والخدمات التي يتمّ شراؤها من قِبل الأجهزة الحكومية المختلفة يتمّ تنفيذها على أرض المملكة وبمحتوى محلي جيد ومناسب، تماشياً مع أهداف واستراتيجيات "رؤية 2030".
من الوقائع على الأرض اليوم، أنّ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية خلال 2022 بلغت نحو 33 مليار دولار (مقارنة بـ 17 ملياراً في عام 2015)، الأمر الذي يجعل المملكة في المرتبة الـ10 بين اقتصادات مجموعة العشرين. النتيجة الإيجابية هي أنّ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ 207 مليارات دولار، وهو ما يجعل المملكة في المرتبة الـ16 بين اقتصادات دول مجموعة العشرين.
هذه النتائج الإيجابية تعكس وتؤكّد بدقّة، واقع وشفافية التعامل المباشر مع الاقتصاد السعودي. لم يكن جمع المعلومات سهلاً، فقد قام فريق العمل في الجهات المعنية بجهود حثيثة لتحليل بيانات أكثر من 10000 شركة أجنبية بدقّة متناهية، من واقع أكثر من 70000 قائمة مالية، تشمل الأعوام من 2015 إلى 2022.
ورغم الانخفاض في إجمالي الإيرادات في الربع الثالث هذا العام إلى حوالى 259 مليار ريال مقارنةً بـ 302 مليار ريال في الربع المماثل من العام الماضي نتيجة لانخفاض حجم الإيرادات النفطية، إلاّ أنّ الوقائع على الأرض تتماشى مع أفضل الممارسات المالية العالمية. أقصد، دليل ميزان المدفوعات، واللوائح المحاسبية الموثوقة الصادرة عن صندوق النقد الدولي. هذه الثوابت الدامغة جاءت لأسباب عدة، منها ارتفاع قيمة تلك الاستثمارات مع مرور الوقت، وتوفيرها مصدراً جديداً للدخل.
إهتمام العالم بالاقتصاد السعودي لم يأتِ من فراغ، بل ثمرة عوامل عدة، ومنها تحقيق ارتفاعات قوية في الأعمال الجديدة، مثل التصدير، والسياحة، والبناء، كما نمت رخص الاستثمار بنسبة 135% في الربع الثالث من العام الجاري. هكذا تعمل المملكة على تطوير التعددية الاقتصادية والتركيز على الابتكار وصداقة البيئة، تماشياً مع أهداف التنمية.
لعلي أجيب عن السؤال في بداية المقال. المستثمر الأجنبي يدخل السوق السعودية بثقة لأسباب عدة هامة. اقتصاد المملكة هو الأكبر حجماً في الشرق الأوسط والعالم العربي، وأحد أكبر 20 اقتصاداً في العالم. من الأدلة القائمة، صلابة العلاقة مع الصين، بوصفها أكبر شريك تجاري ومستورد للصادرات في البلاد. كذلك أثبتت السعودية جدارتها في التغلّب على التحدّيات الاقتصادية والتنموية، والتمكين من مواكبة التطور في مجال المعرفة، وتطبيق التقنية الحديثة، وتوفير الفرص الوظيفية.
آخر الكلام. هذا تذكير للشركات الأجنبية التي لم تنقل مقارها الإقليمية إلى العاصمة الرياض قبل كانون الثاني (يناير) 2024، أنّها ستخسر تعاقداتها مع الحكومة السعودية. لعلّ تلك الشركات قد قرأت تصريح وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل الإبراهيم، أنّ السعودية تطمح لأن تكون مركزاً للاستثمار، ومنصّة شاملة وقادرة على استقطاب رؤوس الأموال النقدية والبشرية من كل أنحاء العالم.