«إيلاف» من أصيلة: أنهى ثلاثون باحثاُ أكاديمياً وأديباً جلسات ندوة "المسلمون في الغرب- الواقع والمآل" التي استمرت يومين صاخبين بتقديم حلول ومقترحات بمثابة حجر يلقونه في مياه راكدة. فقد شهد باليوم الثاني (18 تموز 2017) من ندوة "المسلمون في الغرب" بمشاركات لباحثين وأدباء وناشطين مدنيين من عدة دول من قارات أوربا وأميركا وأفريقيا وآسيا كلٌّ أدلى بدلوه لفتح هوة في العلاقة المتأزمة بين المسلمين ومواطنيهم في أوربا خاصة.
المفتتح الصباحي بدأ بجلسة صاخبة أدراها الكاتب والمحلل السياسي عبد الله ولد باه من موريتانيا بورقة جمعت النص الأدبي بالسرد السيري للروائي المغربي المقيم في باريس أحمد المديني بعنوان (ليتني كنت أعمى) تحدث فيها عن بدايات حياته في باريس وما طرأ عليه فيها من أحداث قلبت البساطة الى خوف وتوتر في العلاقة مع الأخر حد حسده للأعمى كي يتجنب أسئلة مواطنيه الفرنسيين عن أصله ونظرات الشك والريبة التي تلاحقه أينما حل كمغربي وعربي مسلم: وختم نصه الطويل الأليم بأمنية: "ليتني كنتُ أعمى، فلا عيون تنظر اليّ بريبة في الشارع. لا راكب سيغيّر مكانه بجانبي في المترو إذا فتحت كتاباً بالعربية. لا جار سيتجنب لقائي في المصعد لأن إسلامي قتل إبنه البارحة في المسرح. لا حارس ليجسّ جسدي جسّاً كلما ركبت طائرة. سيشفقون عليّ: يا للمسكين! إنه أعمى! ونحن لا نحتاج الى مخيلة سراماغو لنتخيل العمى، أبطال سراماغو سيستعيدون البصر ليكتشفوا أيّ وبال صارت عليه ميدنتهم، أما نحن يا ويلاه، أخشى سنبقى عمياناً الى...!!!".
الكاتب والأكاديمي القطري أحمد عبد الملك تحدث عن وجود نوعين من المهاجرين المسملين في الغرب الاول من أوائل المهاجرين الذين ذابوا في المجتمع وتسنموا مناصب عالية ونجحوا في حياتهم. والنوع الثاني الذي ظلّ محتفظاً بأفكاره الأصلية محاولاً أن يهدي الأخرين لها ويحمل رسالة مضمونها تحويل جميع من حوله الى الدين الاسلامي وفق منظور ضيق. وقال إن فئة كبيرة من المتشددين في أوربا من غير المتعلمين هم من وصلوا بقوارب الموت كلاجئين ظلوا بلا اندماج في المجتمع الجديد.
وكشف وفق احصاءات قدمها في ورقته عن أن النوع الثاني من المسلمين ينعم بكل الخدمات التي تقدمها الدول الغربية وأميركا للمواطنين.
وقدم عبد الملك أفكاراً مستقبلية منها أن على المسلمين القاطنين دول الغرب تغيير أفكارهم أنماط عيشهم طالما رضوا العيش في الغرب. وأن يتعايشوا من مجتمعاتهم الجديدة. ودعا الى تغغير الصورة النمطية للمسلمين في عيون الغربيين من خلال الملتقيات والندوات. وطالب بحملة تنويرية عبر وسائل الاعلام الغربية تحث عن الايمان بحق الآخر بالحياة. ودعا السفارات العربية والاسلامية الى لعب دور مهم في عقد الندوات بين الطرفين لأهمية وجود تفاهم بين أبناء البلد والحد ميملين وغيرهم بما يدعم المواطنة. كما دعا الجمعيات الاسلامية بعلب دور مضاد، باعتدال، ضد تشويه صورة العرب والمسلمين وقصدية الاساءة لهم من قبل لوبيات صهوينية اعتماداً على روح المواطنة في تلك البدان.
الامين العام للمجلس الاوربي للعلماء المغاربة ورئيس منتدى بروكسل للحكمة والسلم العالمي خالد حجي طالب بوجود الحكمة في مناقشة واقع المسلمين في الغرب، وقال إن جاهزية المسلمين في الغرب متأخرة، ونحن متخلفون عن روح العصر. كنا نذهب مع امهاتنا الى السوق لشارء الثوب فنقيسه البزاز بالذراع، ثم بعد ذلك بزمن، بالمتر. وفي اوربا اليوم يقاس بالليزر.
وقال إننا ننفذ الى الفنون أو الى بلاغة العصر مطالباً بالاشتغال على مستوى البلاغة في التعامل مع الأخر. وبين أن المشرع الغربي ظلّ حتى وقت متأخر ينظر للمهاجر كمارٍّ غير مستقر، لكن بعد 11 أيلول 2001 بدأت المشرعون الاوربيون يناقشون قوانين استقرار المهاجر.
هناك خطاب ديني لا يوائم العصر وهناك شباب لا يشعر بالانتماء في أوربا ولا أحد يمدهم بالاحساس بالانتماء. خاصة أنهم شباب ولدوا في مجتمع جديد عن مجتمعات أهلهم ودرسوا فيه فلا بد من الجميع تحمل المسؤولية في اجتراح الحلول من الجانبين الاوربي والمسلم، حسب حجي.
مدير مشروع "فكرة" ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دافيد بلوك قدم خواطر حول المسلمين في عصر ترامب واستعرض ما تخلله من أحداث لعل أبرزها قرار منع دخول مواطني ست دول مسلمة للولايات المتحدة الأميركية. وقال أنه رغم الدعم الذي يحظى به ترامب فان ثلث السكان في أميركا يحملون حقداً ضد الاسلام والمسملين.
وبين أن هناك مشتركات بين الحكومات الاسلامية والغرب في معاداتهم لداعش والقاعدة والمتطرفين الاسلاميين وحزب الله. وقال إن هؤلاء لا يكفون عن شن هجمات ضد أميركا واوربا والعرب. ودعا للتحالف من أجل معاداة وكبح جماح التطرف الديني. وانتقد تدخل إيران في اليمن والعراق والبحرين وسورية. وبين أن اعداد المسملين في أميركا نحو ثلاثة الى ستة ملايين علينا التركيز على الناجحين منهم واحتضانهم وتشجيع الاخرين على الاقتداء بهم.
الكاتب والمترجم واستاذ العلوم الاسلامية المقيم الايطالي التونسي عز الدين عناية قدم صورة عن واقع المسلمين في إيطاليا البالغ عددهم مليونين نصفهم من المغرب العربي وصلوا منذ أربعة عقود. المستوى الثقافي لغالبتهم بسيط. توجد جمعيات اسلامية تنظر للاسلام من خلال بناء المساجد فقط. وكشف أن داخل هذه الجمعيات اتحاد يوحدها يأتمر بخلفية اخوانية. وبين أن الاسلام في إيطاليا ماذا يستورد اسلاما من الخارج. وختم أن لا خيار للمسلمين في إيطاليا الا الاندماج. فهم اليوم فاقدون للاسلام الديناميكي الذي يتمكن من التعايش الفعلي.
الروائي التونسي والاعلامي حسونة المصباحي الذي عاش فترة طويلة في ألمانيا وأميركا ويقيم اليوم في بلده تونس. عاد بالذاكرة الى نهاية الستينات من القرن الماضي وتساءل عمن وقف مع العمال المغاربة في فرنسا خلال أزماتهم؟ أنهم كبار المثقفين مثل سارتر وسيمون دو بوفوار وجان جينيه. وقد سامهت وقفات اولئك المثفقين الغربيين الاحتجاجية لصالح المسملين المهاجرين في تلجع موجات العنصرية. لكنه يرى أن الوضع تبدل بعد الثورة الايرانية عام 1979 حيث همين الجانب الديني على الثورة. ثم جاء قتل الرئيس المصري أنور السادات وبروز مقولة "الاسلام هو الحل" .
وتساءل عن الأعمال التي قامت بها الدول العربية في أوربا؟ انها بنت المساجد فقط. وقال إن الدولة في ألمانيا مولت مشاريع ثقافية عربية للتعريف بالعرب والمسملين والتقارب معهم. ودعا لاعادة كتاب " مستقبل الثقافة في مصر" الذي حاربه المسلمون في مصر سابقا وهو انصاف لهم لكن اولئك لم يقرأوا الكتاب وحكموا عليه كما هو الأمر مع وراوية "آيات شيطانية.
في جلسة المساء التي ترأسها الأمين العام للجنة الوطنية الاسلامية- المسيحية للحوار محمد السماك وضمت كل من جورن مورغان مدير البرنامج البريطاني فوروارد تيننغ من لندن وأنور بوخارس الباحث في شؤون الشرق الاوسط من فرنسا ومحمد المشاري أمين عام المؤتمر الاسلامي الاوربي ومحكمد بن صالح مدير معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا. وإيرك جيوفروي استاذ الدراسات الاسلامية في جامعة ستراسبورغ الفرنسية.
وطرح المتحدثون أفكاراً وقدموا دراساتهم الميدانية حول واقع المسلمين في الغرب واجتراح الحلول الصعبة له. فقد وجد إيرك جيوفروي أن الوضع له علاقة بالتصوف والجانب الروحي. وقارن ين أناس يقتلون أنفسهم كانتحاريين واناس يقتلون أنفسهم من اجل أناس جياع. وقال أن الوضع في أوربا يعتمد على الوضع النفسي والعقلي.
وفي ختاج الجسلة تداخل عدد من الحاضرين بما أغنى أفكار الندوة التي استمرت يومين بجلسات صباحية ومسائية في مركر الحسن الثاني للملتقيات الدولية بالمدينة القديمة في أصيلة.
يذكر أن موسم أصيلة التاسع الثلاثين انطلقت فعالياته في السابع من شهر تموز الجاري وتستمر حتى السابع والعشرين منه وتتضمن ندوات وحفلات تكريم مفكرين وأدباء وورش تشكيلية إضافة حفلات موسيقية وغنائية. من داخل وخارج المغرب.