تبقى "الملكية الفكرية" عنصرًا عالميًا داعمًا لاقتصادات الدول الكبرى، ومن هذا المنطلق، انطلقت المملكة إلى آفاق نموذجية جاذبة وملهمة لكبريات الشركات العالمية التي رأت في العاصمة الرياض مناخًا داعمًا للاستثمارات الأجنبية، بما تمتلكه المملكة من بنية تشريعية رائدة، تم تتويجها بالهيئة السعودية للملكية الفكرية، ومنظومة حفظ الحقوق، وتسجيل براءات الاختراع والعلامات التجارية، والمصنفات الفنية والأدبية.
هنا تبرز المملكة كقوة دافعة تصوغ ملامح مستقبلها الاقتصادي بمنظومة متكاملة لحقوق الملكية الفكرية، لم تعد هذه الحقوق مجرد بنود قانونية جامدة، بل باتت شريانًا حيويًا يغذي عصب التنمية الشاملة، ومكونًا أساسيًا في منظومة الاقتصاد الجديد الذي تنشده رؤية السعودية 2030. إن المشهد اليوم يتحدث عن قفزة نوعية تؤكدها الأرقام، وتترجمها الإنجازات المتتالية.
لقد سجلت المملكة تقدمًا لافتًا في مؤشر تنفيذ حقوق الملكية الفكرية لعام 2025، حيث صعدت إلى المرتبة 13 عالميًا، متقدمة 14 مرتبة عن العام الماضي، وذلك وفقًا لتقرير المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD).
في تقديري.. هذا الصعود ليس مجرد رقم على مؤشر، بل هو شهادة عالمية على التزام المملكة الراسخ بتعزيز اقتصادها المعرفي، وتأسيس بيئة حاضنة تزهر فيها أزهار الإبداع وتورق فيها غصون الابتكار، هذه القفزة، التي بلغت نسبتها 17 % في تقييم المملكة بالمؤشر من 36.6 % عام 2019 إلى 53.7 % في 2025، تعكس نجاح الإصلاحات المؤسسية الكبرى في هذا القطاع الحيوي.
يأتي هذا التقدم ضمن إطار رؤية استراتيجية وطنية طموحة تنفذها المملكة بخطى واثقة وثابتة، تستشرف المستقبل وتصنعه بيدٍ من حديد وإرادة لا تلين، ويتجلى ذلك بوضوح في تحديث التشريعات وتفعيل آليات الإنفاذ، حيث تم تمديد مدة حماية التصاميم من 10 إلى 15 عامًا، في خطوة تعزز ثقة المبدعين والمصممين، كما أن إنشاء مكتب ادعاء متخصص في قضايا الملكية الفكرية ضمن النيابة العامة يؤكد جدية المملكة في حماية هذه الحقوق وصون الإبداع.
لكن الأمر لا يتوقف عند التشريعات وحدها؛ فالوعي هو الركيزة الأساسية لثقافة الملكية الفكرية، لذا شهدنا إطلاق حملات توعوية مكثفة لرفع الوعي المجتمعي بحقوق المؤلفين والمخترعين والمبتكرين، هادفة إلى ترسيخ ثقافة احترام الحقوق وتعزيز الممارسات العادلة، وتحويل المفاهيم القانونية إلى سلوك مجتمعي أصيل، يدرك قيمة الفكر والإبداع ويسعى لحمايته وتثمينه.
إن الأثر الأبرز لهذا الإنجاز العميق للمملكة يتجلى بوضوح في تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين والمحليين، فبيئة نظامية قانونية واضحة وقوية لحماية الملكية الفكرية هي المغناطيس الأقوى لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لا سيما في القطاعات الحيوية التي تمثل مستقبل الاقتصاد، نتكلم هنا عن مجالات كالتقنية المتقدمة، والصناعات الدوائية الحيوية، والإعلام الرقمي الذي يشهد نموًا متسارعًا، وبالطبع الصناعات الثقافية والإبداعية التي تعد أحد ركائز تنوع الاقتصاد.
الأمر يتجاوز مجرد الجذب؛ فالملكية الفكرية أصبحت شريكًا أساسيًا في دعم الصناعات النوعية الوطنية التي يتم توطينها في المملكة، فعندما تضمن المملكة حماية حقوق الابتكار والاختراعات، فإنها تشجع الشركات العالمية على نقل تقنياتها ومعارفها إلى الداخل، واثقةً بأن استثماراتها الفكرية ستكون في مأمن، لتفتح الباب أمام تأسيس مراكز بحث وتطوير محلية، تسهم في بناء قدرات وطنية متقدمة.
إن حماية الابتكار تعد ركيزة أساسية لنجاح الشركات الناشئة وتمكين رواد الأعمال، الذين تضعهم المملكة في صميم استراتيجيتها لبناء اقتصاد قوي ومتعدد المصادر، لا يعتمد على مورد واحد، بل على عقول أبنائه وبناته وإبداعاتهم المتجددة.
لقد أضحت الملكية الفكرية رافعة تنموية، ومكونًا رئيسًا في منظومة الاقتصاد الجديد الذي تبنيه المملكة، إنها محرك للنمو، جاذب للاستثمار، وممكن لتوطين المعرفة والصناعات المتقدمة، فالمملكة، برؤيتها الطموحة وخطواتها الثابتة، تؤكد أنها تسير بخطى مدروسة نحو مصاف الدول العشر الأوائل عالميًا في هذا المضمار، مؤكدةً بذلك مكانتها كمركز عالمي للابتكار والمعرفة والاقتصاد القوي المتنوع.